×
دروس التفسير في المسجد الحرام الجزء الأول

وهذا تشريف له صلى الله عليه وسلم أنَّ الله قال: ﴿عَلَىٰ عَبۡدِنَا [البقرة: 23]. وهذه عبودية خاصة، وإلا فكلُّ الناس عباد لله سبحانه وتعالى، قال تعالى: ﴿إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ إِلَّآ ءَاتِي ٱلرَّحۡمَٰنِ عَبۡدٗا [مريم: 93]. كل الناس عباد الله العبودية العامة، ولكن العبودية الخاصة التي معناها التشريف والتكريم هذه خاصة بالرسل عليهم السلام وبأتباعهم من المؤمنين.

وفي هذا رَدٌّ: على الذين يعتقدون أن الرسول ليس من البشر، وأنه يتصف بصفات الربوبية أو صفات الألوهية، والله عز وجل قال: ﴿عَلَىٰ عَبۡدِنَا [البقرة: 23]، فدلَّ على أنه عبد، ليس له من الربوبية شيء، وليس له من العبادة شيء، فلا يُعبد مع الله، ولا يُستغاث به، ولا يُتقرَّب إليه بشيء من أنواع العبادة؛ لأنها حق لله جل جلاله. وأما الرسول فهو عبد لا يُعبد، ورسول لا يُكذَّب، صلى الله عليه وسلم.

والله عز وجل وصفه بالعبودية في مقامات التكريم والتشريف:

في مقام التنزيل مثل هذه الآية: ﴿مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا [البقرة: 23].

وفي مقام الإسراء والمعراج بقوله تعالى: ﴿سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا [الإسراء: 1]. ﴿بِعَبۡدِهِۦ: أي محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ [الإسراء: 1].

وفي مقام التحدي، كما في هذه الآية، قال تعالى: ﴿وَإِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّن مِّثۡلِهِۦ [البقرة: 23].

هذا تحدٍّ للكفار وغير الكفار ممن يعتقدون أن القرآن ليس كلام الله سبحانه وتعالى، وإنما هو من كلام البشر.

فالله تحداهم، فقال﴿وَإِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ: ريب، أي: شكٍّ ﴿مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّن مِّثۡلِهِۦ [البقرة: 23]، وهو القرآن،


الشرح