فلو
كان الإيمان مجرد المعرفة بالقلب، لكان أئمة الكفار مسلمين؛ لأنهم يعرفون الله
بقلوبهم، ويعرفون أن ما جاءت به الرسل حق، ولكنهم يخالفون لأهوائهم وأغراضهم
وشهواتهم.
وليس
الإيمان هو التصديق بالقلب فقط، كما تقوله الأشاعرة، من غير نطق باللسان، ومن غير
عمل بالجوارح؛ لأنه لو كان كذلك لكان المشركون مؤمنين؛ لأن الله قال عنهم: ﴿قَدۡ نَعۡلَمُ إِنَّهُۥ
لَيَحۡزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَۖ فَإِنَّهُمۡ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ
بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ﴾ [الأنعام: 33].
فهم
لا يُكذِّبون الرسل، ومعنى هذا أنهم يصدقونه بقلوبهم، ولكن لما لم ينطقوا ذلك
بألسنتهم، ولم يعملوا بجوارحهم؛ لم يكونوا مؤمنين، بل كانوا كفارًا جاحدين
مُعْرِضين عن الله ورسوله.
وليس
الإيمان هو النطق باللسان فقط كما تقوله الكَرَّامية؛ إذ لو كان كذلك لكان
المنافقون مؤمنين؛ لأنهم ينطقون بألسنتهم، ولكن لا يؤمنون بقلوبهم، قال تعالى: ﴿يَقُولُونَ بِأَلۡسِنَتِهِم
مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ﴾ [الفتح:
11] كما أخبر الله عنهم. ويشهدون أن محمدًا رسول الله بألسنتهم، ولكن لا يؤمنون به
في قلوبهم، ولا يعتقدون صدقه في قلوبهم؛ ولهذا قال سبحانه وتعالى: ﴿إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ
قَالُواْ نَشۡهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِنَّكَ
لَرَسُولُهُۥ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَكَٰذِبُونَ ١ ٱتَّخَذُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُمۡ جُنَّةٗ فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ
إِنَّهُمۡ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٢﴾ [المنافقون:
1-2].
وهؤلاء
كما أخبر الله عنهم في الدَّرْك الأسفل من النار، تحت الكفار وعَبَدة الأوثان.
وهم ينطقون بألسنتهم بأن محمدًا رسول الله، ويُصَلُّون ويصومون ويُزَكُّون ويَخرجون في الجهاد؛ لكن ليس في قلوبهم عقيدة ولا إيمان،