لكن
كان موقفهم على العكس؛ حيث ﴿نَبَذَ فَرِيقٞ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ
وَرَآءَ ظُهُورِهِمۡ﴾ [البقرة:
101]، أي: التوراة. والنبذ معناه: الطرح، أي: طرحوها ولم يعملوا بها، فكفروا
بكتابهم الذي معهم، الذي يزعمون أنهم يؤمنون به، كما سبق في قولهم ﴿نُؤۡمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا﴾
[البقرة: 91].
فهم
نبذوا كتاب الله الذي معهم وطرحوه، لا لشيء إلا من أجل الحسد لمحمد صلى الله عليه
وسلم، حسدوه على ما آتاه الله من النبوة والرسالة، وكانوا يريدون أن تكون الرسالة
في بني إسرائيل، وجاءت على خلاف رغبتهم؛ حيث جاءت في محمد صلى الله عليه وسلم الذي
هو من بني إسماعيل.
وهم
لا يؤمنون بالحق للحق، وإنما يؤمنون بما يوافق أهواءهم ورغباتهم.
قال
الله جل وعلا: ﴿كَأَنَّهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ﴾ [البقرة:
101] كأنهم في فعلهم هذا لا يعلمون عنه شيئًا. فتحولوا من كونهم علماء إلى كونهم
جهالاً؛ لأن الواجب على العالِم أن يعمل بعلمه، فإذا لم يعمل بعلمه صار هو والجاهل
سواء، بل هو شر من الجاهل لأنه عصى الله على بصيرة. أما الجاهل بالحق فإنه وقع في
الخطأ من غير تعمد. فيكون العالِم الذي لا يعمل بعلمه شرًّا من الجاهل الذي ليس
عنده علم، وإن كان الكل ضُلالاً ويعملون خطأ، لكن ليس من يعلم كمن لا يعلم، فصاروا
﴿كَأَنَّهُمۡ لَا
يَعۡلَمُونَ﴾.
وقال: ﴿فَرِيقٞ مِّنۡهُمۚ﴾ [البقرة: 100]، لم يقل: «كلهم» لأن منهم فريقًا آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، والله جل وعلا لا يظلم أحدًا ولا يعمم بالحكم، بل إنه يخص الحكم بمن ينطبق عليهم؛ فلذلك قال: ﴿نَبَذَ فَرِيقٞ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمۡ كَأَنَّهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ﴾ [البقرة: 101].