×
دروس التفسير في المسجد الحرام الجزء الأول

وهذا كما في قوله تعالى عن قوم نوح عليه السلام: ﴿أَءُلۡقِيَ ٱلذِّكۡرُ عَلَيۡهِ مِنۢ بَيۡنِنَا بَلۡ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٞ [القمر: 25].

ومشركو قريش قالوا في حق محمد صلى الله عليه وسلم مثلما قال قوم نوح عليه السلام، سواء: ﴿أَءُنزِلَ عَلَيۡهِ ٱلذِّكۡرُ مِنۢ بَيۡنِنَاۚ بَلۡ هُمۡ فِي شَكّٖ مِّن ذِكۡرِيۚ بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ [ص: 8].

وكذلك قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذَا جَآءَتۡهُمۡ ءَايَةٞ قَالُواْ لَن نُّؤۡمِنَ حَتَّىٰ نُؤۡتَىٰ مِثۡلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِۘ [الأنعام: 124].

﴿وَإِذَا جَآءَتۡهُمۡ ءَايَةٞ قَالُواْ لَن نُّؤۡمِنَ حَتَّىٰ نُؤۡتَىٰ مِثۡلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِۘ [الأنعام: 124]، هذا من باب العناد والمكابرة، والرسالة لا تحصل لكل أحد، وإنما الرسالة اصطفاء واختيار من الله جل وعلا لمن يصلح لها. ولهذا قال: ﴿ٱللَّهُ أَعۡلَمُ حَيۡثُ يَجۡعَلُ رِسَالَتَهُۥۗ [الأنعام: 124]، ﴿ٱللَّهُ يَصۡطَفِي مِنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ رُسُلٗا وَمِنَ ٱلنَّاسِۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٞ [الحج: 75]، فالرسالة إنما هي اصطفاء واختيار من الله، يختار لها مَن يَصلح من البشر، وهو سبحانه وتعالى أعلم بمن يصلح لها.

﴿يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوۡ تَأۡتِينَآ ءَايَةٞۗ [البقرة: 118]، كأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأتهم بمعجزات!! مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم أتاهم بالمعجزة العظمى التي لم يأتِ بها نبي قبله، وهي القرآن العظيم، هو المعجزة الكبرى، المعجزة الخالدة!!

فإنه صلى الله عليه وسلم كان قبل البعثة معروفًا عند الناس أنه أُمِّيٌّ لا يقرأ ولا يكتب ولم يتعلم، فلما بعثه الله سبحانه وتعالى جاء بهذا القرآن العظيم الذي أعجز البلغاء والفصحاء. والذي اشتمل على أخبار الأولين والآخرين، والذي اشتمل على أحكام عظيمة وحِكَم بالغة، هل هذا من كلام بشر ما تَعَلَّم


الشرح