×
دروس التفسير في المسجد الحرام الجزء الأول

فإنزال الكتاب نعمة عظيمة على كل من أنزل الله عليهم الكتاب، ولا سيما هذه الأمة، ولا سيما القرآن العظيم.

﴿يَتۡلُونَهُۥ حَقَّ تِلَاوَتِهِۦٓ [البقرة: 121]، ﴿يَتۡلُونَهُۥأي: يتبعونه، مِن: «تلاه يتلوه» إذا تَبِعه، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا ١ وَٱلۡقَمَرِ إِذَا تَلَىٰهَا ٢ [الشمس: 1-2]، ﴿إِذَا تَلَىٰهَايعني: تبعها.

فمعنى: ﴿يَتۡلُونَهُۥ [البقرة: 121]: يتبعون ما فيه من الأوامر والنواهي، فيفعلون ما أمرهم به، ويتركون ما نهاهم عنه، ويعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه، يُحِلُّون حلاله، ويُحرِّمون حرامه. فهذا هو معنى ﴿يَتۡلُونَهُۥ.

وقيل: المراد، أي: يقرءونه بتدبر، وتَفَهُّم. ولا شك أن هذا مطلوب أيضًا؛ لأن ذلك وسيلة لاتباعه والعمل به.

وكلا المعنيين مقصود، والله أعلم.

﴿حَقَّ تِلَاوَتِهِۦٓ [البقرة: 121]، وليس المراد أنهم يقرءونه مجرد قراءة ويُحَسِّنون به أصواتهم، ويُجَوِّدون حروفه، ويقرءونه بإتقان من ناحية التجويد، ومن ناحية الضبط، ويتفننون في قراءته بالقراءات الثابتة. هذا لا يكفي، مجرد القراءة والتغني به وتحسين الصوت به - هذا لا شك أنه طيب، ولكنه ليس هو المقصود، هذا وسيلة إلى تدبره، ووسيلة إلى العمل به.

أما من يقرأه مجرد قراءة وتجويد من غير أن يعمل به، ويقيم حدوده؛ إنما يقيم حروفه، ولكنه لا يقيم حدوده ولا يعمل به؛ فهذه قراءة غير مجدية ولا نافعة.

كالذين يتخذون قراءة القرآن حِرفة يتأكلون بها، فيقرءونه في المآتم


الشرح