وهذا
النَّبيُّ الكريم خليل الله إبراهيمُ عليه السلام ما حصل على هذه المنزلةِ العظيمة
إلاَّ بسبب قيامه بحقِّ الله عز وجل، وقيامه بما أمره الله به، قال تعالى: ﴿وَإِذِ ٱبۡتَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِۧمَ رَبُّهُۥ بِكَلِمَٰتٖ﴾
[البقرة: 124]، ﴿ٱبۡتَلَىٰٓ﴾يعني:
اختبر، والابتلاء لا بدَّ أن يحصل للعباد؛ ليتميَّز مَنْ يطيع ممَّن يعصي، فلا
بدَّ أن يُجري الله الابتلاء على العباد والاختبار، حتَّى يتميَّز المؤمنُ
الصَّادق مِنَ المنافق ومِنَ الكافر، ولا يترك الله النَّاس هكذا بدون امتحان
وبدون ابتلاء؛ ﴿أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ
أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ ٢ وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ
ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَٰذِبِينَ ٣﴾
[العنكبوت: 2، 3]، ﴿مَّا كَانَ ٱللَّهُ
لِيَذَرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلۡخَبِيثَ
مِنَ ٱلطَّيِّبِۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطۡلِعَكُمۡ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ﴾ [آل عمران: 179].
فبالامتحان
يتميَّز الصَّادق الثَّابت على دينه مِنَ المنافق الذي يدَّعي الإيمان كذبًا
وخداعًا، مِنَ المؤمن ضعيف الإيمان الذِي لا يثبت عند الفتن وعند المحن، وأشدُّ
النَّاس بلاءً الأنبياء ثمَّ الأمثل فالأمثل؛ كما في الحديث: «يُبْتَلَى
الإِنْسَانُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، وَأَشَدُّ النَّاسِ بَلاَءً الأَنْبِيَاءُ
عَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ»([1])؛
فإنَّ الله يبتليهم بأشياءَ عظيمةٍ لكنَّهم يثبتون على الإيمان، وعلى طاعة الله
سبحانه وتعالى؛ ليكونوا قدوة لغيرهم، والله إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمن رَضِيَ
فله الرِّضا، ومَنْ سخط فعليه السَّخط.
وقد ابتلى إبراهيمَ عليه السلام ربُّه بكلمات، وهذه الكلمات هي الأوامر والنَّواهي؛ فإنَّه أمره بأوامر ونهاه عن مناهٍ، ففاز في الامتحان ونجح في الامتحان؛ ﴿فَأَتَمَّهُنَّۖ﴾ [البقرة: 124] أتمَّ هذه الكلمات على خير ما يرام.
([1]) أخرجه: أحمد رقم (1481)، والترمذي رقم (2398)، وابن ماجه رقم (4023).