ومِنْ
أعظم ما ابْتُلِيَ به إبراهيمُ عليه السلام: أنَّه
بعثه في أمةٍ عاتيةٍ تعبد التَّماثيل، تصنع التَّماثيل وتعبدها مِنْ دون الله عز
وجل، فبدأ بأبيه ثمَّ بقومه: ﴿إِذۡ قَالَ لِأَبِيهِ
وَقَوۡمِهِۦ مَا هَٰذِهِ ٱلتَّمَاثِيلُ ٱلَّتِيٓ أَنتُمۡ لَهَا عَٰكِفُونَ ٥٢ قَالُواْ وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا لَهَا عَٰبِدِينَ ٥٣ قَالَ لَقَدۡ كُنتُمۡ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُمۡ فِي ضَلَٰلٖ
مُّبِينٖ ٥٤ قَالُوٓاْ أَجِئۡتَنَا بِٱلۡحَقِّ
أَمۡ أَنتَ مِنَ ٱللَّٰعِبِينَ ٥٥ قَالَ بَل
رَّبُّكُمۡ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا۠ عَلَىٰ
ذَٰلِكُم مِّنَ ٱلشَّٰهِدِينَ ٥٦ وَتَٱللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصۡنَٰمَكُم بَعۡدَ
أَن تُوَلُّواْ مُدۡبِرِينَ ٥٧ فَجَعَلَهُمۡ
جُذَٰذًا إِلَّا كَبِيرٗا لَّهُمۡ لَعَلَّهُمۡ إِلَيۡهِ يَرۡجِعُونَ ٥٨﴾ [الأنبياء: 52- 58].
أمَّة
عاتية ورئيسهم الطَّاغية الجبَّار النَّمرود، الَّذي يدَّعي أنَّه يحيي ويميت
لمَّا قال له إبراهيم عليه السلام: ﴿رَبِّيَ
ٱلَّذِي يُحۡيِۦ وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا۠ أُحۡيِۦ وَأُمِيتُۖ﴾
[البقرة: 258]، وصل به التَّجبُّر إلى هذا، ﴿قَالَ إِبۡرَٰهِۧمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأۡتِي بِٱلشَّمۡسِ مِنَ ٱلۡمَشۡرِقِ
فَأۡتِ بِهَا مِنَ ٱلۡمَغۡرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ
ٱلظَّٰلِمِينَ﴾ [البقرة: 258].
بعثه
الله في هذه الأمَّة الوثنيَّة وهو شخص واحد أمام أمَّةٍ جبَّارةٍ طاغية، وانتهى
الأمرُ إلى أن كسَّر أصنامهم فجعلهم جذاذًا إلاَّ واحدًا منها، وهو كبير الأصنام،
أبقاه مِنْ أجل أن يقيم الحجَّة عليهم، وانتهى الأمر إلى أن قالوا: حرِّقوه بالنَّار، ﴿قَالُواْ
حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوٓاْ ءَالِهَتَكُمۡ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ﴾
[الأنبياء: 68]، وهكذا الطُّغاة إذا عجزوا عن إقامة الحجَّة لجئوا إلى
القوَّة، هذا دائمًا وأبدًا، فكلُّ طاغيةٍ وكلُّ جبَّارٍ وكلُّ عنيدٍ إذا أفحمته
الحجَّة ولم يستطع مقاومتها؛ لجأ إلى القوَّة.
فلجئوا إلى أشدِّ شيءٍ عندهم وهو أنَّهم أوقدوا نارًا عظيمة، جمعوا لها الحطبَ وأوقدوها حتَّى ارتفع لهبُهَا في الجوِّ، ولو مرَّت الطَّير من الجوِّ سقطت في هذه النّار مِنْ شدة حرِّها، ثم جاءوا بإبراهيم عليه السلام