الأمة
عدولاً خيارًا بما فضلهم اللهُ به مِنَ الفضائل العظيمة، جعلهم سبحانه وتعالى
عدولاً، جمع عدل، أي: أنهم وسطٌ بين طرفي النقيض، وسطٌ بين الإفراط والتفريط، فهذه
الأمة وسطٌ بين اليهود والنصارى، فاليهود على طرف والنصارى على طرف، وهذه الأمة في
الوسط، ولله الحمد، فهم وسطٌ في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، بين اليهود الذين
يحقِّرون الأنبياء ويؤذونهم بل ويقتلون بعضهم ويُكذبونهم، كما قال الله سبحانه
وتعالى لهم: ﴿أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمۡ
رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰٓ أَنفُسُكُمُ ٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ فَفَرِيقٗا كَذَّبۡتُمۡ
وَفَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ﴾
[البقرة: 87].
فهم
مع الأنبياء الذين يأتون بما لا يهوون ولا يوافق شهواتهم: إما أن يكذبوهم وهم
أنبياء الله سبحانه وتعالى. وهذا كفرٌ صريح، وإما أن يقتلوهم، فقد قتلوا عددًا
مِنَ الأنبياء منهم زكريا ويحيى عليهما السلام، وحاولوا قتل عيسى، ﴿وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ﴾
[آل عمران: 54]، فرفعه مِنْ بينهم إلى السماء، لم يمسَّه أذًى، وهم قد
تجمعوا وحاولوا قتله، فرفعه الله مِنْ بينهم، قال الله تعالى: ﴿إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَىٰٓ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ
إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ
فَوۡقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ﴾ [آل عمران: 55]. وكذلك حاولوا عدة
مرات أن يقتلوا محمدًا صلى الله عليه وسلم، حاولوا قتله فعصمه الله منهم.
فاليهود مع الأنبياء: إما أن يكذِّبوهم وإما أن يقتلوا مَنْ قدروا على قتله، فقد كذبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم، وكذبوا عيسى، وجحدوا نبوتهما، ﴿فَفَرِيقٗا كَذَّبۡتُمۡ وَفَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ﴾ [البقرة: 87]. وأما النصارى: فقد غلوا في عيسى، فقالوا: إنه الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة. فغلوا في المسيح حتى رفعوه إلى مرتبة الربوبية والألوهية، تعالى الله عما يقولون،