×
دروس التفسير في المسجد الحرام الجزء الأول

فالقضاءُ والقدرُ إنما يحتج به على المصائب؛ لأنها مِنَ الله، ولا يحتج بها على الذنوب والمعاصي؛ لأنها مِنَ العبد؛ ﴿مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٖ فَمِن نَّفۡسِكَۚ [النساء: 79]، فيتوب إلى الله مِنَ الذنوب والمعاصي، ولا يحتج بالقضاء والقدر؛ لأنه هو الذي فعلها، وهو الذي أتى بها باختياره ورضاه، فهي كسبُهُ وهي عملُهُ؛ فعليه أن يتوبَ إلى الله عز وجل منها.

هذا هو الصبر، كثير مِنَ الناس يصبر على أمور الدنيا، لكنه لا يصبر على الأعمال الصالحة، يصبر على طلب المال صبرًا شديدًا، بل قد يتعرض للقتل والخطر العظيم في طلب المال، وكذلك يصبر على الجلوس للبيع والشراء في دكانه ومتجره للساعات الطويلة، يصبر لأمور الدنيا، لكنه لا يصبر لأمور الآخرة، لا يصبر في المسجد دقائقَ أو ساعة يقرأ القرآن، ويذكر الله ويصلي.

بل هو يصبر في طلب الدنيا ويتفانى في طلبها، ويقضي الأوقات الطويلة ولا يمل، يتعرض للأخطار ولا يخاف في طلب الدنيا، لكن طلب الآخرة قليل مِنَ الناس مَنْ يصبر عليه، إلا مَنْ وَفَّقَه الله تبارك وتعالى.

﴿ٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ [البقرة: 153]: الذي ليس عنده صبرٌ ليس عنده دينٌ، ولهذا يقول أمير المؤمنين عليُّ بنُ أبي طالب رضي الله تعالى عنه: «الصَّبْرُ مِنَ الدِّينِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ» ([1])، الجسد الذي ليس له رأسٌ هذا ميت لا فائدة فيه، كذلك الدين الذي ليس فيه صبر هذا ميت ما فيه فائدة، الصبرُ مِنَ الدين بمنزلة الرأس مِنَ الجسد، ومَنْ لا صبر له فلا دين له.


الشرح

([1]) أخرجه: البيهقي في الشعب رقم (9267)، وابن أبي شيبة رقم (30439).