×
دروس التفسير في المسجد الحرام الجزء الأول

﴿كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ [البقرة: 172] بعد أن ناداهم سبحانه أمرهم فقال: ﴿كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ، أي: تمتعوا بالأكل والشرب واللباس وغير ذلك، ﴿مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡالطيبات معناها: الحلال؛ لأن الحرام خبيثٌ، وأما الحلال فإنه طيب، والله عز وجل يقول: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَٰٓئِثَ [الأعراف: 157]. فالطيبات هي المباحات، والخبائث هي المحرمات، والمؤمنون يأكلون مِنَ الطيبات ويتجنبون المحرمات بموجب إيمانهم.

وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٞ [المؤمنون: 51]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ [البقرة: 172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَقَدْ غُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَه؟!»([1]).

هذا رجلٌ مسافر، وتعرِفُون السفر وما فيه مِنَ المشقة وما فيه مِنَ الشعث والغبار وتغير اللون وتغير الرائحة وتلوث الملابس؛ لأنه مسافر، وهذا فيه تواضع. هذه الحالة فيها تواضع، «يَمُدُّ يَدَيْهِ»، يعني: يدعو الله عز وجل ويمد يديه؛ لأن مِنْ آداب الدعاء رفعَ اليدين، وهو مِنْ أسباب الإجابة. هذه صفة ثانية تقتضي الإجابةَ، الصفة الأولى: الشعث والغبرة، والصفة الثانية: أنه يدعو ويبالغ في الدعاء ويرفع يديه: يا رب يا رب، يكرر.


الشرح

([1]) أخرجه: مسلم رقم (1015).