ووقعوا
في الشرك الأكبر؛ ولذلك قالا: ﴿رَبَّنَا وَٱجۡعَلۡنَا مُسۡلِمَيۡنِ
لَكَ﴾ [البقرة: 128]، أي: مخلصَيْن لك في
أعمالنا مِنْ بناء البيت وغيره، منقادَيْن لطاعتك.
وقولهما
عليهما السلام: ﴿مُسۡلِمَيۡنِ
لَكَ﴾يشمل طلب إصلاح العقيدة بالإخلاص لله عز وجل، والسلامة
مِنَ الشرك، ويشمل إصلاح العمل بالسلامة مِنَ البدع ومِنَ الذنوب والمعاصي والرياء
والسمعة، وغير ذلك مِنَ الآفات.
ثم
لم يقتصرا عليهما السلام على أنفسهما، بل دعوا لذريتهما فقالا: ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ﴾ [البقرة: 128]، أي: واجعل مِنْ
ذريتنا أمة مسلمة لك. والأمة يراد بها: الجماعةُ، ويراد بها القدوة، أي: اجعلهم
مجتمعين على الإسلام، واجعلهم قدوةً لعبادك.
فهذا
فيه: أن الوالد يدعو لأولاده مع دعائه لنفسه، ويدعو لوالديه،
ويدعو لإخوانه المسلمين ولا يقتصر على نفسه، لكنْ يبدأ بنفسه ثم بأقرب الناس إليه
- وهم: والده وأولاده - ثم بإخوانه المسلمين.
ثم طلبا مِنَ الله عز وجل أن يبين لهما شرائع دينهما، فقالا: ﴿وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا﴾ [البقرة: 128]: أي بَيّن لنا عباداتنا؛ لأن العباداتِ توقيفية لا يعمل منها شيء إلا بدليلٍ من كتاب الله أو مِنْ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز للإنسان أن يعبد الله بشيء لا دليل عليه مِنَ الكتاب والسنة؛ فإن هذا بدعة مردودة، كما قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»([1]). وقال: «إِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الأُْمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ»([2]).
([1]) أخرجه: مسلم رقم (1718).