ولهذا
كان مِنْ جملة دعاء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام: ﴿وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا﴾ [البقرة:
128]، أي: بيِّن لنا عبادتنا، حتى نعبدَك بما شرعت لنا، ونتجنب البدع والمحدثات.
وهذا
فيه: دليلٌ على أصلٍ عظيم، وهو أن العباداتِ توقيفية كما
يقول أهل العلم، بمعنى أنها لا تُشرع إلا بتشريع الله لها أو تشريع رسوله صلى الله
عليه وسلم.
وما
لم يشرعه الله ولم يشرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو بدعة، وكثير مِنَ الناس
لا يلتفتون إلى هذا الأصل، ويتقربون إلى الله بما تستحسنه عقولهم ونفوسهم، أو بما
أدركوا عليه آباءهم، أو أدركوا عليه الناس، مِنْ غير أن يعرضوا ذلك على كتاب الله
وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقعوا في الضلال البعيد، ويتعبوا ولا
يستفيدوا، بل يتعبوا ويعذبوا بما عملوا؛ لأن كل بدعةٍ ضلالةٌ، وكل ضلالةٍ في
النار، أي: تؤدي بصاحبها إلى النار، واللهُ لا يرضى أن يُعبد إلا بما شرع، وما لم
يشرعه الله فإنه لا يقبله ولا يثيب عليه، بل يعذِّب عليه في النار.
ثم
قالا: ﴿وَتُبۡ عَلَيۡنَآۖ﴾
[البقرة: 128]، هذا فيه أن الإنسان لا يزكي نفسه، فهذا خليل الله وابنه
إسماعيل، يقولان لربهما في دعائهما له: ﴿وَتُبۡ
عَلَيۡنَآۖ﴾ [البقرة: 128]، مع هذه الأعمال
الجليلة التي يقومون بها يعتذرون إلى الله مِنَ التقصير، ويطلبون من الله التوبة،
فالإنسان لا يزكِّي نفسه، ولا يستكثر عمله، بل يعد نفسه مقصرًا في حق الله سبحانه
وتعالى.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو أفضلُ الخلق وأكمل الخلق عبادةً لله- يستغفر الله في اليوم أكثر مِنْ سبعين مرة، ويقول: «لاَ أُحْصِي ثَنَاءً