عَلَيْكَ
أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ»([1]).
هذا اعتراف مِنَ الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه لم يوفِّ حق الله كما ينبغي، ولكن
الله جل وعلا يعفو ويتفضل ويضاعف الحسنات مِنْ عنده سبحانه وتعالى، ويقول جل وعلا:
﴿فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ﴾
[التغابن: 16]. أما ما لا تستطيعونه فإن الله يغفره بمنِّه وفضله وكرمه
سبحانه، ويجعل العمل القليل الصالح كثيرًا بالمضاعفة، ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظۡلِمُ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةٗ
يُضَٰعِفۡهَا وَيُؤۡتِ مِن لَّدُنۡهُ أَجۡرًا عَظِيمٗا﴾
[النساء: 40].
﴿إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ﴾
[البقرة: 128]: هذا توسل إلى الله بأسمائه؛ ﴿ٱلتَّوَّابُ﴾ [البقرة: 128] أي: كثير التوبة على
عباده، ﴿ٱلرَّحِيمُ﴾
[البقرة: 128]: كثير الرحمة لعباده، فهما توسلا إلى الله باسمين مِنْ أسمائه
سبحانه، كما قال جل وعلا: ﴿وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ
فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ أَسۡمَٰٓئِهِۦۚ
سَيُجۡزَوۡنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ﴾ [الأعراف:
180].
والتوسل
إلى الله بأسمائه وصفاته يكون مناسبًا لنوع الدعاء. فإذا قلت: اللهم اغفر لي،
تقول: إنك أنت الغفور الرحيم. وإذا قلت: اللهم تُبْ عليّ، تقول: إنك أنت التواب
الرحيم. وإذا قلت: اللهم ارزقني، تقول: إنك أنت الرزاق ذو القوة المتين. وهكذا
تأتي باسمٍ مِنْ أسماء الله يكون مناسبًا لدعائك.
ثم قالا عليهما السلام: ﴿رَبَّنَا وَٱبۡعَثۡ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ﴾ [البقرة: 129]، هذا مِنْ جملة دعائهما لذريتهما، ﴿رَبَّنَا وَٱبۡعَثۡ فِيهِمۡ﴾ أي: في هذه الذرية القاطنةِ في هذا الوادي المبارك حول بيت الله العتيق، الذي جعلته مثابةً للناس وأمنًا﴿رَبَّنَا وَٱبۡعَثۡ فِيهِمۡ رَسُولٗا﴾أي: أرسل فيهم رسولاً؛ لأن العباد بحاجةٍ إلى الرسول أشد مِنْ حاجتهم إلى الطعام والشراب والهواء؛ فلا تستغني البشرية عن الرسول الذي يَدُلّها على الله جل وعلا، وعلى عبادته وعلى جنَّته، ويحذِّرها مما يضرها.
([1]) أخرجه: مسلم رقم (486).