وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ هَذَا
حَالُ مَنْ تَشَبَّهَ بِهِ فِي صَنْعَةِ صُورَةٍ، فَكَيْفَ حَالُ مَنْ تَشَبَّهَ
بِهِ فِي خَوَاصِّ رُبُوبِيَّتِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ؟ وَكَذَلِكَ مَنْ تَشَبَّهَ
بِهِ فِي الاِسْمِ الَّذِي لاَ يَنْبَغِي إِلاَّ لِلَّهِ وَحْدَهُ، كَمَلِكِ
الْمُلُوكِ، وَحَاكِمِ الْحُكَّامِ، وَنَحْوِهِ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ
عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ أَخْنَعَ الأَْسْمَاءِ
عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ يُسَمَّى بِشَاهَانْ شَاهْ» ([1])، أَيْ مَلِكِ
الْمُلُوكِ، لاَ مَلِكَ إِلاَّ اللَّهُ، وَفِي لَفْظٍ: «أَغِيظُ رَجُلٍ عَلَى
اللَّهِ رَجُلٌ يُسَمَّى بِمَلِكِ الأَْمْلاَكِ» ([2]).
فَهَذَا مَقْتُ اللَّهِ
وَغَضَبُهُ عَلَى مَنْ تَشَبَّهَ بِهِ فِي الاِسْمِ الَّذِي لاَ يَنْبَغِي إِلاَّ
لَهُ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ مَلِكُ الْمُلُوكِ وَحْدَهُ، وَهُوَ حَاكِمُ الْحُكَّامِ
وَحْدَهُ، فَهُوَ الَّذِي يَحْكُمُ عَلَى الْحُكَّامِ كُلِّهِمْ، وَيَقْضِي عَلَيْهِمْ
كُلِّهِمْ، لاَ غَيْرُهُ.
****
الشرح
قولُه: «فمَنْ سَجَدَ لغيرِه فقدْ شبَّه المخلوقَ
بِه»، وكذلك التَّوَكُّلِ على غيرِه، والتَّوبةُ إِلَى غيرِه، والحَلِفُ
بغيرِه، كلُّ هذا تشبيهٌ للمخلوقِ باللهِ تبارك وتعالى ، وهو من الشِّرْكِ الذي
أَنْكَرَتْهُ جميعُ الشَّرائِعِ، فكلُّ نَبِيٍّ نَهَى قومَه عن الشِّرْك؛ لقُبْحِه
وشناعتِه، ولأَنَّه يتنافى مع حقِّ الله سبحانه وتعالى .
وقولُه: «وأَمَّا في جانبِ التَّشبُّهِ بِه: فمَن
تعاظمَ وتكبَّر» أَيْ: شارك اللهِ في عظمتِه وكبريائِه، فهذا شِْرٌك، ولذلك
يُحْشَرُ المتكبِّرون يومَ القيامةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ يَطَأَهُمُ النَّاسُ؛
لأَنَّهم تكبَّروا في الدُّنْيَا وتعاظموا، فأَهَانَهُمًُ اللهُ وحَشَرَهُمْ على
أَمْثالِ الذَّرِّ والعياذُ باللهِ.
وكذلك المُصَوِّرُ مُتَشَبِّهٌ باللهِ سبحانه وتعالى في الخلقِ؛ لأَنَّه يُصَوِّرُ الإِنْسانَ ويَضَعُ له يدينِ ورِجْلينِ وعينينِ ووَجْهاً وأَنْفاً،
([1])أخرجه: البخاري رقم (6205)، ومسلم رقم (2143).