لأَنَّ تعلُّقَ الثَّوابِ والعقابِ بالفعلِ
دليلٌ على أَنَّ الإِنْسانَ له إِرَادةٌ وله مشيئَةٌ، وأَنَّه يأْتي الشَّيءَ
باخْتيارِه ويتركه باخْتيارِه، فإِنْ قِيْلَ: إِنَّه مجبورٌ على فِعْلِه، صار
عذابُه وثوابُه على شيءٍ ليس مِن فِعْلِه وإِنَّما هُوَ مِن فِعْلِ غيرِه، وهذا
ظُلْمٌ.
فإِذَا كان الخَلْقُ فيما
بَيْنَهُمْ لا يُؤَاخِذُوْنَ المُكْرَهَ على أَفْعالِه؛ لأَنَّه ليس له اخْتيارٌ،
فكذلك الرَّبُّ سبحانه وتعالى لو كان يُجْبِرُ العبادَ على أَفْعالِهم لكان
يُعذِّبُهم على شيءٍ قد أَكْرَهَهُمْ عليه؟!.
وقولُه: «بلْ ولا هُوَ فِعْلُهُ أَلْبَتَّةَ»
أَفْعالُ العبادِ مِن ناحيةِ إِيْجادِها هِيَ أَفْعالُ الله، ومِن ناحيةِ عَمَلِها
والإِتْيانِ بِها هِيَ فِعْلُ العبدِ، فلا يُقال: إِنَّ اللهَ ليس له فيها
إِرَادةٌ أَلْبَتَّةَ، ولا يُقال: إِنَّ اللهَ أَجْبَرَ النَّاسَ عليها وليس
للعباد فيها اخْتِيارٌ.
وقولُه: «والطَّائِفتان ما قَدَرُوا اللهَ حقَّ
قدرِه» كِلاَ الطَّائِفتين - النُّفَاةِ والجَبَرِيَّةِ - ما قَدَرُوا اللهَ
حقَّ قدرِه.
وقولُه: «وكذلك ما قَدَرَهُ حقَّ قدرِه مَن لم يَصُنْهُ عن نَتْنِ ولا حَشٍّ»، هَؤُلاَءِ الحلوليَّةُ الذين يقولون: إِنَّ اللهَ ليس في العُلُوِّ، وليس مستوياً على عَرْشِه، وإِنَّما هُوَ في كلِّ مكانٍ، تعالى اللهُ عمَّا يقولون، فالَّذي لا يُنَزِّهُ اللهَ عن الأَمْكِنَةِ القَذِرَةِ - كالحشوشِ ودَوْرَاتِ المِيَاهِ - قد تنقَّص اللهَ عز وجل ، أَمَّا مَن عظَّمه تبارك وتعالى وقال: إِنَّ اللهَ فوقَ مخلوقاتِه، وهو مُسْتَوٍّ على عَرْشِه، كما وَصَفَ اللهُ نفسَه بذلك، فهذا قد قَدَرَ اللهَ حقَّ قدرِه.