وَكَذَلِكَ لَمْ يَقْدِرْهُ
حَقَّ قَدْرِهِ مَنْ قَالَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعَذِّبَ أَوْلِيَاءَهُ، وَمَنْ
لَمْ يَعْصِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَيُدْخِلَهُمْ دَارَ الْجَحِيمِ، وَيُنَعِّمَ
أَعْدَاءَهُ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَيُدْخِلَهُمْ دَارَ
النَّعِيمِ، وَأَنَّ كِلاَ الأَْمْرَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ سَوَاءٌ،
وَإِنَّمَا الْخَبَرُ الْمَحْضُ جَاءَ عَنْهُ بِخِلاَفِ ذَلِكَ، فَمَعْنَاهُ
لِلْخَبَرِ لاَ لِمُخَالَفَةِ حِكْمَتِهِ وَعَدْلِهِ. وَقَدْ أَنْكَرَ سُبْحَانَهُ
فِي كِتَابِهِ عَلَى مَنْ جَوَّزَ عَلَيْهِ ذَلِكَ غَايَةَ الإِْنْكَارِ، وَجَعَلَ
الْحُكْمَ بِهِ مِنْ أَسْوَأِ الأَْحْكَامِ.
قَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقۡنَا
ٱلسَّمَآءَ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا بَٰطِلٗاۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ
كَفَرُواْۚ فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ ٢٧أَمۡ نَجۡعَلُ ٱلَّذِينَ
ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ كَٱلۡمُفۡسِدِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ نَجۡعَلُ
ٱلۡمُتَّقِينَ كَٱلۡفُجَّارِ ٢٨} [ص: 27- 28] . وَقَالَ: {أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجۡتَرَحُواْ
ٱلسَّئَِّاتِ أَن نَّجۡعَلَهُمۡ كَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ
سَوَآءٗ مَّحۡيَاهُمۡ وَمَمَاتُهُمۡۚ سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ ٢١ وَخَلَقَ ٱللَّهُ
ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ وَلِتُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۢ بِمَا كَسَبَتۡ وَهُمۡ
لَا يُظۡلَمُونَ ٢٢} [الْجَاثِيَةِ:
21- 22] . وَقَالَ: {أَفَنَجۡعَلُ
ٱلۡمُسۡلِمِينَ كَٱلۡمُجۡرِمِينَ ٣٥مَا لَكُمۡ كَيۡفَ تَحۡكُمُونَ ٣٦} [الْقَلَمِ: 35-
36] .
وَكَذَلِكَ لَمْ يَقْدِرْهُ
حَقَّ قَدْرِهِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لاَ يُحْيِي الْمَوْتَى، وَلاَ يَبْعَثُ مَنْ
فِي الْقُبُورِ، وَلاَ يَجْمَعُ خَلْقَهُ لِيَوْمٍ يُجَازِي فِيهِ الْمُحْسِنَ
بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ، وَيَأْخُذُ لِلْمَظْلُومِ حَقَّهُ مِنْ
ظَالِمِهِ، وَيُكْرِمُ الْمُتَحَمِّلِينَ الْمَشَاقَّ فِي هَذِهِ الدَّارِ مِنْ
أَجْلِهِ وَفِي مَرْضَاتِهِ بِأَفْضَلِ كَرَامَتِهِ، وَيُبَيِّنُ لِخَلْقِهِ
الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، وَيَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا
كَاذِبِينَ.
****
الشرح
وقولُه: «وكذلك لم يَقْدِرْهُ حقَّ قدرِه مَن قال: إِنَّه يجوز أَنْ يُعَذِّبَ أَوْلِيَاءَهُ» هذا قولُ الأَشَاعِرَةِ وغيرُهم، يقولون: إِنَّ اللهَ يفعل لا لحِكْمَةٍ، فليس له حِكْمَةٌ في أَفْعالِه، ومقتضى قولِهم: أَنَّ اللهَ جل وعلا له أَنْ يُعَذِّبَ المسلمَ ويُكْرِمَ الكافرَ،