×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الثاني

 وَكَذَلِكَ لَمْ يَقْدِرْهُ حَقَّ قَدْرِهِ مَنْ هَانَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ فَعَصَاهُ، وَنَهْيُهُ فَارْتَكَبَهُ، وَحَقُّهُ فَضَيَّعَهُ، وَذِكْرُهُ فَأَهْمَلَهُ، وَغَفَلَ قَلْبُهُ عَنْهُ، وَكَانَ هَوَاهُ آثَرَ عِنْدَهُ مِنْ طَلَبِ رِضَاهُ، وَطَاعَةُ الْمَخْلُوقِ أَهَمَّ مِنْ طَاعَتِهِ، فَلِلَّهِ الْفَضْلَةُ مِنْ قَلْبِهِ وَقَوْلِهِ وَعَمَلِهِ، وهَوَاهُ الْمُقَدَّمُ فِي ذَلِكَ؛ لأَِنَّهُ الْمُهِمُّ عِنْدَهُ، يَسْتَخِفُّ بِنَظَرِ اللَّهِ إِلَيْهِ، وَاطِّلاَعِهِ عَلَيْهِ بِكُلِّ قَلْبِهِ وَجَوَارِحِهِ، وَيَسْتَحِي مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ، وَيَخْشَى النَّاسَ وَلاَ يَخْشَى اللَّهَ، وَيُعَامِلُ الْخَلْقَ بِأَفْضَلِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَامَلَ اللَّهَ عَامَلَهُ بِأَهْوَنِ مَا عِنْدَهُ وَأَحْقَرِهِ، وَإِنْ قَامَ فِي خِدْمَةِ مَنْ يُحِبُّهُ مِنَ الْبَشَرِ قَامَ بِالْجِدِّ وَالاِجْتِهَادِ وَبَذْلِ النَّصِيحَةِ، وَقَدْ أَفْرَغَ لَهُ قَلْبَهُ وَجَوَارِحَهُ، وَقَدَّمَهُ عَلَى الْكَثِيرِ مِنْ مَصَالِحِهِ، حَتَّى إِذَا قَامَ فِي حَقِّ رَبِّهِ - إِنْ سَاعَدَ الْقَدَرُ - قَامَ قِيَامًا لاَ يَرْضَاهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَخْلُوقٍ مِثْلِهِ، وَبَذَلَ لَهُ مِنْ مَالِهِ مَا يَسْتَحِي أَنْ يُوَاجِهَ بِهِ مَخْلُوقًا مِثْلَهُ، فَهَلْ قَدَرَ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ مَنْ هَذَا وَصْفُهُ؟

وَهَلْ قَدَرَهُ حَقَّ قَدْرِهِ مَنْ شَارَكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوِّهِ فِي مَحْضِ حَقِّهِ مِنَ الإِْجْلاَلِ وَالتَّعْظِيمِ وَالطَّاعَةِ وَالذُّلِّ وَالْخُضُوعِ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ؟ فَلَوْ جَعَلَ لَهُ مِنْ أَقْرَبِ الْخَلْقِ إِلَيْهِ شَرِيكًا فِي ذَلِكَ لَكَانَ ذَلِكَ جَرَاءَةً وَتَوَثُّبًا عَلَى مَحْضِ حَقِّهِ وَاسْتِهَانَةً بِهِ وَتَشْرِيكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَلاَ يَنْبَغِي وَلاَ يَصْلُحُ إِلاَّ لَهُ سُبْحَانَهُ، فَكَيْفَ وَإِنَّمَا شَرَكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ أَبْغَضَ الْخَلْقِ إِلَيْهِ، وَأَهْوَنَهُمْ عَلَيْهِ، وَأَمْقَتَهُمْ عِنْدَهُ، وَهُوَ عَدُوُّهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ؟ فَإِنَّهُ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِلاَّ الشَّيْطَانُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {۞أَلَمۡ أَعۡهَدۡ إِلَيۡكُمۡ يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ أَن لَّا تَعۡبُدُواْ ٱلشَّيۡطَٰنَۖ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ ٦٠وَأَنِ ٱعۡبُدُونِيۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ ٦١} [يس: 60- 61] .

وَلَمَّا عَبَدَ الْمُشْرِكُونَ الْمَلاَئِكَةَ بِزَعْمِهِمْ وَقَعَتْ عِبَادَتُهُمْ فِي نَفْسِ الأَْمْرِ لِلشَّيَاطِينِ، وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْمَلاَئِكَةَ.


الشرح