فكيفَ يُسَوَّى الذي لا يقدر
أَنْ يخلقَ الذُّبَابَ - الذي هو أَضْعفُ شيءٍ - بالخالقِ الذي خلقَ كلَّ شيءٍ؟!
بل لو أَخَذَ الذُّبابُ من هذه الآلهةِ التي يعبدونها شيئاً ما استطاعتْ أَنْ
تستردَّه منه؛ لأَنَّها جماداتٌ عاجزةٌ، لا تدافع عن نفسِها، فكيف تدافع عن غيرِها!.
ولهذا قال سبحانه وتعالى : { أَمۡ
جَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلۡقِهِۦ فَتَشَٰبَهَ ٱلۡخَلۡقُ
عَلَيۡهِمۡۚ قُلِ ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖ وَهُوَ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّٰرُ } [الرعد: 16] ، وقال
تبارك وتعالى : { أَفَمَن
يَخۡلُقُ كَمَن لَّا يَخۡلُقُۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } [النحل: 17] ، وقال جل وعلا : { هَٰذَا خَلۡقُ ٱللَّهِ
فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦۚ بَلِ ٱلظَّٰلِمُونَ فِي ضَلَٰلٖ
مُّبِينٖ} [لقمان: 11] ،
والآياتُ في هذا كثيرةٌ تدلُّ على بُطْلانِ الشِّرْكِ من أَصْلِه؛ لأَنَّه لا
أَحَدُ يُسَاوِي اللهَ عز وجل في أَمْرٍ من الأُمُورِ، وأَبْيَنُ ذلك وأَوْضَحُهُ
الخلقُ: { أَرُونِي
مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ } [الأحقاف: 4] ، تَحَدَّى اللهُ تبارك وتعالى المشركين
أَنْ يُبَيِّنُوا ماذا خلقتْه آلهتُهم من السَّمواتِ أَوْ من الأَرْضِ، فلم
يُبَيِّنُوا، فدلَّ على بُطْلانِ الشِّرْك.
وهذا من العجيبِ أَنَّ
المُشْرِكَ يُشَاهِدُ أَنَّ الخلقَ كلَّهم للهِ عز وجل ، وهو الذي خَلَقَهُمْ، ولم
يُشَارِكْهُ أَحَدٌ في الخلقِ، فكيف يُشْرِكُ معه أَحَداً في العبادةِ؟!
هُمْ يَعْتَرِفُونَ بأَنَّ
آلهتَهم لا تخلقُ ولا ترزقُ ولا تُحْيِي ولا تُمِيْتُ، يعترفون بتوحيدِ
الرُّبوبيَّة، لكنَّهم يُشْرِكُونَ في العبادة.
الحاصلُ: أَنَّ المُشْرِكَ سَوَّى غيرَ اللهِ باللهِ، فلا يستحقُّ العبادةَ إِلاَّ مَن يَقْدِرُ على الخَلْقِ، والرِّزْقِ، والإِحْياءِ، والإِماتةِ، وتدبيرِ الأُمُورِ، أَمَّا العاجزُ الفقيرُ الضَّعيفُ فهذا لا يستحقُّ شيئاً مِن العبادةِ.