وَكَذَلِكَ مَا قَدَرَهُ حَقَّ قَدْرِهِ مَنْ
قَالَ: إِنَّهُ لَمْ يُرْسِلْ إِلَى خَلْقِهِ رَسُولاً، وَلاَ أَنْزَلَ كِتَابًا،
بَلْ نَسَبَهُ إِلَى مَا لاَ يَلِيقُ بِهِ وَلاَ يَحْسُنُ مِنْهُ، مِنْ إِهْمَالِ
خَلْقِهِ وَتَضْيِيعِهِمْ وَتَرْكِهِمْ سُدًى، وَخَلْقِهِمْ بَاطِلاً وَعَبَثًا.
وَلاَ قَدَرَهُ حَقَّ
قَدْرِهِ مَنْ نَفَى حَقَائِقَ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلاَ،
فَنَفَى سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَإِرَادَتَهُ وَاخْتِيَارَهُ وَعُلُوَّهُ فَوْقَ
خَلْقِهِ، وَكَلاَمَهُ وَتَكْلِيمَهُ لِمَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ بِمَا يُرِيدُهُ،
أَوْ نَفَى عُمُومَ قُدْرَتِهِ وَتَعَلُّقَهَا بِأَفْعَالِ عِبَادِهِ مِنْ
طَاعَتِهِمْ وَمَعَاصِيهِمْ، فَأَخْرَجَهَا عَنْ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ
وَخَلْقِهِ، وَجَعَلَهُمْ يَخْلُقُونَ لأَِنْفُسِهِمْ مَا يَشَاءُونَ بِدُونِ
مَشِيئَةِ الرَّبِّ، فَيَكُونُ فِي مُلْكِهِ مَا لاَ يَشَاءُ، وَيَشَاءُ مَا لاَ
يَكُونُ! تَعَالَى عَنْ قَوْلِ أَشْبَاهِ الْمَجُوسِ عُلُوًّا كَبِيرًا.
****
الشرح
مَن كَفَر بالرِّسالة وقال:
ما أَنْزَلَ اللهُ على بَشَرٍ من شيءٍ، هذا «ما
قَدَرَهُ حقَّ قَدره»؛ لأَنَّه ظنَّ أَنَّ اللهَ ضيَّع عبادَه وتَرَكَهُمْ
هملاً. فالذي يجحد الرِّسالةَ ما قَدَرَ اللهَ حقَّ قدره؛ لأَنَّه لا يليق باللهِ
تبارك وتعالى أَنْ يتركَ عبادَه ولا يُبيِّنُ لهم طريقَ الحقِّ من طريقِ الضَّلال،
وطريقَ الهُدَى من طريقِ الشِّرْكِ والكفرِ، فاللاَّئِقُ باللهِ جل وعلا أَنْ
يُرْسِلَ الرُّسُلَ، ويُنْزِلَ الكُتُبَ؛ لأَجْلِ هِدايةِ الخلقِ، وبيانِ الحقِّ
لهم، وإِنْقَاذِهِمْ من الظُّلُماتِ إِلَى النُّور، وإِلاَّ كيف يكون رَبًّا
للنَّاس ويتركُهم ويُهْمِلُهُمْ؟! هذا لا يليقُ باللهِ عز وجل .
وقولُه: «ولا قَدَرَهُ حقَّ قدرِه مَن نفى حقائِقَ أَسْمائِه الحُسْنى وصفاتِه العُلاَ»، وهذا من أَعْظمِ التَّنقُّصِ، هُمْ يزعمون أَنَّ هذا تنزيهٌ للهِ وتعظيمٌ للهِ، وهو في الواقعِ تَنَقُّصٌ للهِ عز وجل ، فكيف يكون رَباًّ إِذَا لم يكنْ له أَسْماءٌ ولا صفاتٌ؟!! وكيف يكون إِلَهاً إِذَا كان لا يخلق، ولا يرزق، ولا يعلم، ولا يقدر على قضاءِ حوائِجِ خَلْقِه؟!!