×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الثاني

فهَؤُلاَءِ الذين سَلَبُوا عن اللهِ سبحانه وتعالى القُدْرَةَ، والعلمَ، والإِرَادةَ، والتَّدْبيرَ، والرَّحْمةَ، والغضبَ، ما قَدَرُوا اللهَ حقَّ قدرِه، ولا عظَّموه حقَّ تعظيمِه، كالجهميَّة، والمعتزلةِ، والأَشاعرةِ.

وكذلك ما قَدَرَهُ حقَّ قدرِه مَن عصاه وخالفَ أَمْرَهُ وارْتَكَبَ نَهْيَهُ، وللهِ المَثَلُ الأَعْلَى، فلو أَنَّ مَلِكاً من ملوكِ الدُّنْيَا أَمَرَ بأَمْرٍ، فخالفه أَحَدُ رَعِيَّتِهِ ولم يعملْ بأَمْرِه، أَوْ نَهَى عن شيءٍ وخالفه وارْتَكَبَ هذا الشَّيءَ، أَلاَ يكون متنقصاً للمَلِك؟ هذا واضحٌ، فكيف بالذي يعصي أَمْرَ الرَّبِّ سبحانه وتعالى ، فيخالف أَمْرَهُ ويَرْتَكِبُ نَهْيَهُ؟! لا شكَّ أَنَّه مُتَنَقِّصٌ للرَّبِّ تبارك وتعالى .

وقولُه: «وكلامُه وتكليمُه لمن شاءَ مِن خلقِه بما يريده» كذلك الذي نفي الكلامَ عن الله ما قَدَرَ اللهَ حقَّ قدرِه؛ إِذْ كيف يَأْمُرُ ويَنْهَى وهو لا يتكلَّم؟ هذا تنقصٌ للهِ عز وجل ، ولهذا لمَّا عَبَدَ بَنُو إِسْرَائِيْلَ العِجْلَ قال عنهم اللهُ جل وعلا ، {أَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّهُۥ لَا يُكَلِّمُهُمۡ وَلَا يَهۡدِيهِمۡ سَبِيلًاۘ ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَٰلِمِينَ} [الأعراف: 148] ، فدلَّ على أَنَّ الذي لا يتكلَّم ولا يَأْمُرُ ولا يَنْهَى ولا يُدبِّرُ الخَلْق، { وَلَا يَهۡدِيهِمۡ سَبِيلًاۘ}أي: لا يُبَيِّنُ لهم طريقَ الخيرِ من طريقِ الشَّرِّ؛ لأَنَّه عاجزٌ.

وقال الخَلِيلُ عليه السلام لأَبِيْهِ: {يَٰٓأَبَتِ لِمَ تَعۡبُدُ مَا لَا يَسۡمَعُ وَلَا يُبۡصِرُ وَلَا يُغۡنِي عَنكَ شَيۡ‍ٔٗا} [مريم: 42] ، فدلَّ على أَنَّ الرَّبَّ يسمعُ ويُبْصِرُ.

فالذي ينفي السَّمْعَ والبَصَرَ عن اللهِ هذا مثلُ الذي يَعْبُدُ صَنَماً لا يسمعُ ولا يُبْصِرُ، ولهذا يقولون: المُعَطِّلُ يَعْبُد عَدَماً، والمُشَبِّهُ يَعْبُدُ صَنَماً.

وقولُه: «أَوْ نفى عمومَ قُدْرَتِه وتَعَلُّقَها بأَفْعالِ عبادِه» أَيْضاً ما قَدَرَ اللهَ حقَّ قدرِه من نفى القضاءَ والقَدَرَ؛ لأَنَّ اللهَ جل وعلا هو الذي قَدَّرَ المقاديرَ، وقضى القضاءَ، والذي لا يَقْدِرُ ولا يقضي ليس بإِلَهٍ.


الشرح