وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْبِدَعُ الْمُضِلَّةُ
جَهْلاً بِصِفَاتِ اللَّهِ وَتَكْذِيبًا بِمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ
وَأَخْبَرَ بِهِ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنَادًا وَجَهْلاً،
كَانَتْ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ - وَإِنْ قَصُرَتْ عَنِ الْكُفْرِ - وَكَانَتْ
أَحَبَّ إِلَى إِبْلِيسَ مِنْ كِبَارِ الذُّنُوبِ.
كَمَا قَالَ بَعْضُ
السَّلَفِ: «الْبِدْعَةُ أَحَبُّ إِلَى إِبْلِيسَ مِنَ الْمَعْصِيَةِ: لأَِنَّ
الْمَعْصِيَةَ يُتَابُ مِنْهَا وَالْبِدْعَةَ لاَ يُتَابُ مِنْهَا» ([1]).
«وَقَالَ إِبْلِيسُ: أَهْلَكْتُ بَنِي آدَمَ
بِالذُّنُوبِ وَأَهْلَكُونِي بِالاِسْتِغْفَارِ وَبِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَلَمَّا
رَأَيْتُ ذَلِكَ بَثَثْتُ فِيهِمُ الأَْهْوَاءَ، فَهُمْ يُذْنِبُونَ وَلاَ
يَتُوبُونَ، لأَِنَّهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا» ([2]).
وَمَعْلُومٌ أَنَّ
الْمُذْنِبَ إِنَّمَا ضَرَرُهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَمَّا الْمُبْتَدِعُ فَضَرَرُهُ
عَلَى النَّوْعِ، وَفِتْنَةُ الْمُبْتَدِعِ فِي أَصْلِ الدِّينِ، وَفِتْنَةُ
الْمُذْنِبِ فِي الشَّهْوَةِ، وَالْمُبْتَدِعُ قَدْ قَعَدَ لِلنَّاسِ عَلَى
صِرَاطِ اللَّهِ الْمُسْتَقِيمِ يَصُدُّهُمْ عَنْهُ، وَالْمُذْنِبُ لَيْسَ
كَذَلِكَ، وَالْمُبْتَدِعُ قَادِحٌ فِي أَوْصَافِ الرَّبِّ وَكَمَالِهِ،
وَالْمُذْنِبُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَالْمُبْتَدِعُ يَقْطَعُ عَلَى النَّاسِ طَرِيقَ
الآْخِرَةِ، وَالْعَاصِي بَطِيءُ السَّيْرِ بِسَبَبِ ذُنُوبِهِ.
****
الشرح
البِدَعُ: جمعُ بِدْعَةٌ، وهي
ما أَحْدَثَ في الدِّين ممَّا ليس مِنْهُ، سُمِّيَتْ بِدْعَةً من الاِبْتِدَاعِ،
وهو الشَّيْءُ الجديدُ الذي ليس له سابقةٌ.
والبِدْعةُ مُحرَّمٌ؛ لقولِه صلى الله عليه وسلم : «مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» ([3])، وفي روايةٍ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» ([4]).
([1])أخرجه: ابن الجعد في مسنده رقم (1809)، وابن بشران في أماليه رقم (708).