×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الثاني

فَإِذَا أَتْلَفَ الْقَاتِلُ مِنْ هَذَا الْجَسَدِ عُضْوًا، فَكَأَنَّمَا أَتْلَفَ سَائِرَ الْجَسَدِ، وَآلَمَ جَمِيعَ أَعْضَائِهِ، فَمَنْ آذَى مُؤْمِنًا وَاحِدًا فَكَأَنَّمَا آذَى جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ، وَفِي أَذَى جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ أَذَى جَمِيعِ النَّاسِ، فَإِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا يُدَافِعُ عَنِ النَّاسِ بِالْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ بَيْنَهُمْ، فَإِيذَاءُ الْخَفِيرِ إِيذَاءُ الْمَخْفُورِ.

وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «لاَ تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا بِغَيْرِ حَقٍّ، إِلاَّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَْوَّلِ كِفْلٌ مِنْهَا؛ لأَِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ» ([1]).

وَلَمْ يَجِئْ هَذَا الْوَعِيدُ فِي أَوَّلِ زَانٍ وَلاَ أَوَّلِ سَارِقٍ وَلاَ أَوَّلِ شَارِبِ مُسْكِرٍ، وَإِنْ كَانَ أَوَّلُ الْمُشْرِكِينَ قَدْ يَكُونُ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ قَاتِلٍ؛ لأَِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الشِّرْكَ؛ وَلِهَذَا رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَمْرَو بْنَ لَحْيٍ الْخُزَاعِيَّ يُعَذَّبُ أَعْظَمَ الْعَذَابِ فِي النَّارِ، لأَِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَيَّرَ دِينَ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام ([2]).

وَقَدْ قالَ تَعالى: {وَلَا تَكُونُوٓاْ أَوَّلَ كَافِرِۢ بِهِۦۖ} [الْبَقَرَةِ: 41] . أَيْ فَيَقْتَدِي بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، فَيَكُونُ إِثْمُ كُفْرِهِ عَلَيْكُمْ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَاتُّبِعَ عَلَيْهَا.

وَفِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَجِيءُ الْمَقْتُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَاصِيَتُهُ وَرَأْسُهُ بِيَدِهِ، وَأَوْدَاجُهُ تَشْخَبُ دَمًا، يَقُولُ: يَا رَبِّ سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي؟» فَذَكَرُوا لاِبْنِ عَبَّاسٍ التَّوْبَةَ، فَتَلاَ هَذِهِ الآْيَةَ: {وَمَن يَقۡتُلۡ مُؤۡمِنٗا} [النِّسَاءِ: 93] . ثُمَّ قَالَ: «مَا نُسِخَتْ هَذِهِ الآْيَةُ وَلاَ بُدِّلَتْ، وَأَنَّى لَهُ التَّوْبَةُ!» ([3])، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (3335)، ومسلم رقم (1677).

([2])أخرجه: البخاري رقم (3521)، ومسلم رقم (2856).

([3])أخرجه: الترمذي رقم (3029)، والنسائي رقم (4005)، وابن ماجه رقم (2621).