وَلَمَّا كَانَ مَبْدَأُ
ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الْبَصَرِ جُعِلَ الأَْمْرُ بِغَضِّهِ مُقَدَّمًا عَلَى حِفْظِ
الْفَرْجِ، فَإِنَّ الْحَوَادِثَ مَبْدَؤُهَا مِنَ الْبَصَرِ، كَمَا أَنَّ
مُعْظَمَ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ، فَتَكُونُ نَظْرَةٌ، ثُمَّ
تَكُونُ خَطْرَةٌ، ثُمَّ خُطْوَةٌ، ثُمَّ خَطِيئَةٌ.
وَلِهَذَا قِيلَ: مَنْ
حَفِظَ هَذِهِ الأَْرْبَعَةَ أَحْرَزَ دِينَهُ: اللَّحَظَاتِ، وَالْخَطَرَاتِ،
وَاللَّفَظَاتِ، وَالْخُطُوَاتِ.
فَيَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ
يَكُونَ بَوَّابَ نَفْسِهِ عَلَى هَذِهِ الأَْبْوَابِ الأَْرْبَعَةِ، وَيُلاَزِمَ
الرِّبَاطَ عَلَى ثُغُورِهَا، فَمِنْهَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْعَدُوُّ، فَيَجُوسُ
خِلاَلَ الدِّيَارِ وَيُتَبِّرُ مَا عَلاَ تَتْبِيرًا.
****
الشرح
لما فَرَغَ المُصنِّف رحمه
الله مِن الكلامِ على مَفسدة القتلِ وسَفْكِ الدِّماء بغيرِ حَقٍّ، انتقلَ إلى
بيانِ الجَريمة الثَّانية التِي تَلِي القتلَ وهي: الزِّنا، والزنَا جريمةٌ خطيرةٌ
جدًّا؛ لما يترتَّب عَليها مِن مفاسدَ عظيمةٍ، ولهذَا قالَ جل وعلا : {وَلَا
تَقۡرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَسَآءَ سَبِيلٗا} [الإسراء: 32] ؛
لما يترتَّب عليه مِن فسادٍ في الأعراضِ، وفسادِ الأُسَرِ، واختلاطِ الأنسابِ،
وانتشارِ الأمراضِ، ومِن غضبِ اللهِ عز وجل وعِقابه، ففِيه مَفاسدُ ودَمارٌ
للمُجتمعات.
ومِن أعظمِ أسبابِ
الزِّنا: إهمالُ النِّساء وتَركهن، وهنَّ حبائلُ الشيطانِ، فإذا تُرِكْنَ من غَير
مُحافظةٍ عَليهن وإلزامٍ لهن بالحِجاب والعِفّة، والبَقاء في البُيوت، حصلتْ
مفاسدُ الزِّنا، لأن الشيطانَ يزيِّن للناسِ هذه الجَريمة، وأعوانُ الشيطانِ
يزيِّنونها للناسِ باسمِ حُرِّية المَرأة، وحُقوق المرأةِ، وما أشبهَ ذلكَ مِن
الدِّعايات الضَّالة المُضِلَّة.
وكأنَّ حقَّ المرأةِ هو
تَمكينها مِن الفسادِ! وهذا عَينُ المُحادَّة للهِ ولرسولِه، وعَين المُكابرة،
فالمَرأة أُلْزِمت بالحِجاب إلا لمَصلحتها هِي،