×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الثاني

 فَأَكْثَرُ مَنْ تَرَى مِمَّنْ يَعْظُمُ عَقْلُهُ وَمَعْرِفَتُهُ يُؤْثِرُ غَيْرَ الْمُهِمِّ الَّذِي لاَ يَفُوتُ عَلَى الْمُهِمِّ الَّذِي يَفُوتُ، وَلاَ تَجِدُ أَحَدًا يَسْلَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنْ مُسْتَقِلٌّ وَمُسْتَكْثِرٌ.

وَالتَّحْكِيمُ فِي هَذَا الْبَابِ لِلْقَاعِدَةِ الْكُبْرَى الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ الشَّرْعِ وَالْقَدَرِ، وَإِلَيْهَا مَرْجِعُ الْخَلْقِ وَالأَْمْرِ، وَهِيَ إِيثَارُ أَكْبَرِ الْمَصْلَحَتَيْنِ وَأَعْلاَهُمَا، وَإِنْ فَاتَتِ الْمَصْلَحَةُ الَّتِي هِيَ دُونَهَا، وَالدُّخُولُ فِي أَدْنَى الْمَفْسَدَتَيْنِ لِدَفْعِ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهَا، فَيُفَوِّتُ مَصْلَحَةً لِتَحْصِيلِ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهَا، وَيَرْتَكِبُ مَفْسَدَةً لِدَفْعِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهَا.

فَخَطَرَاتُ الْعَاقِلِ وَفِكْرُهُ لاَ يُجَاوِزُ ذَلِكَ، وَبِذَلِكَ جَاءَتِ الشَّرَائِعُ، وَمَصَالِحُ الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ لاَ تَقُومُ إِلاَّ عَلَى ذَلِكَ.

وَأَعْلَى الْفِكَرِ وَأَجَلُّهَا وَأَنْفَعُهَا: مَا كَانَ لِلَّهِ وَالدَّارِ الآْخِرَةِ، فَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ أَنْوَاعٌ:

أَحَدُهَا: الْفِكْرَةُ فِي آيَاتِهِ الْمُنَزَّلَةِ وَتَعَقُّلُهَا، وَفَهْمُهَا وَفَهْمُ مُرَادِهِ مِنْهَا، وَلِذَلِكَ أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى، لاَ لِمُجَرَّدِ تِلاَوَتِهَا، بَلِ التِّلاَوَةُ وَسِيلَةٌ.

قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ لِيُعْمَلَ بِهِ، فَاتَّخَذُوا تِلاَوَتَهُ عَمَلاً ([1]).

الثَّانِي: الْفِكْرَةُ فِي آيَاتِهِ الْمَشْهُودَةِ وَالاِعْتِبَارُ بِهَا، وَالاِسْتِدْلاَلُ بِهَا عَلَى أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَحِكْمَتِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَبِرِّهِ وَجُودِهِ، وَقَدْ حَضَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عِبَادَهُ عَلَى التَّفَكُّرِ فِي آيَاتِهِ وَتَدَبُّرِهَا وَتَعَقُّلِهَا، وَذَمَّ الْغَافِلَ عَنْ ذَلِكَ.

الثَّالِثُ: الْفِكْرَةُ فِي آلاَئِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَإِنْعَامِهِ عَلَى خَلْقِهِ بِأَصْنَافِ النِّعَمِ، وَسَعَةِ رَحْمَتِهِ وَمَغْفِرَتِهِ وَحِلْمِهِ.


الشرح

([1])ينظر: تأويل مشكل القرآن (ص: 148).