وَهَذِهِ الأَْنْوَاعُ
الثَّلاَثَةُ تَسْتَخْرِجُ مِنَ الْقَلْبِ مَعْرِفَةَ اللَّهِ وَمَحَبَّتَهُ
وَخَوْفَهُ وَرَجَاءَهُ.
وَدَوَامُ الْفِكْرَةِ فِي
ذَلِكَ مَعَ الذِّكْرِ يَصْبُغُ الْقَلْبَ فِي الْمَعْرِفَةِ وَالْمَحَبَّةِ
صِبْغَةً تَامَّةً.
الرَّابِعُ: الْفِكْرَةُ فِي
عُيُوبِ النَّفْسِ وَآفَاتِهَا، وَفِي عُيُوبِ الْعَمَلِ، وَهَذِهِ الْفِكْرَةُ
عَظِيمَةُ النَّفْعِ، وَهَذَا بَابٌ لِكُلِّ خَيْرٍ، وَتَأْثِيرُهَا فِي كَسْرِ
النَّفْسِ الأَْمَّارَةِ بِالسُّوءِ، وَمَتَى كُسِرَتْ عَاشَتِ النَّفْسُ
الْمُطْمَئِنَّةُ وَانْبَعَثَتْ وَصَارَ الْحُكْمُ لَهَا، فَحَيِيَ الْقَلْبُ،
وَدَارَتْ كَلِمَتُهُ فِي مَمْلَكَتِهِ، وَبَثَّ أُمَرَاءَهُ وَجُنُودَهُ فِي
مَصَالِحِهِ.
الْخَامِسُ: الْفِكْرَةُ فِي
وَاجِبِ الْوَقْتِ وَوَظِيفَتِهِ وَجَمْعُ الْهَمِّ كُلِّهِ عَلَيْهِ،
فَالْعَارِفُ ابْنُ وَقْتِهِ، فَإِنْ أَضَاعَهُ ضَاعَتْ عَلَيْهِ مَصَالِحُهُ
كُلُّهَا، فَجَمِيعُ الْمَصَالِحِ إِنَّمَا تَنْشَأُ مِنَ الْوَقْتِ، وَإِنْ
ضَيَّعَهُ لَمْ يَسْتَدْرِكْهُ أَبَدًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي
الله عنه : «صَحِبْتُ الصُّوفِيَّةَ فَلَمْ أَسْتَفِدْ مِنْهُمْ سِوَى حَرْفَيْنِ:
أَحَدُهُمَا قَوْلُهُمْ: الْوَقْتُ سَيْفٌ، فَإِنْ قَطَعْتَهُ وَإِلاَّ قَطَعَكَ» ([1]). وَذَكَرَ
الْكَلِمَةَ الأُْخْرَى.
فَوَقْتُ الإِْنْسَانِ هُوَ عُمُرُهُ فِي الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ مَادَّةُ حَيَاتِهِ الأَْبَدِيَّةِ فِي النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، وَمَادَّةُ الْمَعِيشَةِ الضَّنْكِ فِي الْعَذَابِ الأَْلِيمِ، وَهُوَ يَمُرُّ أَسْرَعَ مِنَ السَّحَابِ، فَمَا كَانَ مِنْ وَقْتِهِ لِلَّهِ وَبِاللَّهِفَهُوَ حَيَاتُهُ وَعُمُرُهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ لَيْسَ مَحْسُوبًا مِنْ حَيَاتِهِ، وَإِنْ عَاشَ فِيهِ عَاشَ عَيْشَ الْبَهَائِمِ، فَإِذَا قَطَعَ وَقْتَهُ فِي الْغَفْلَةِ وَالسَّهْوِ وَالأَْمَانِيِّ الْبَاطِلَةِ، وَكَانَ خَيْرَ مَا قَطَعَهُ بِهِ النَّوْمُ وَالْبِطَالَةُ، فَمَوْتُ هَذَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ حَيَاتِهِ.
([1])ينظر: مناقب الشافعي للبيهقي (2/208).