وَإِذَا خَلاَ الْقَلْبُ
عَنْ هَذِهِ الْخَوَاطِرِ جَاءَ الشَّيْطَانُ فَوَجَدَ الْمَحِلَّ خَالِيًا،
فَيَشْغَلُهُ بِمَا يُنَاسِبُ حَالَ صَاحِبِهِ، حَيْثُ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ
يَشْغَلَهُ بِالْخَوَاطِرِ السُّفْلِيَّةِ، فَشَغَلَهُ بِإِرَادَةِ التَّجْرِيدِ
وَالْفَرَاغِ مِنَ الإِْرَادَةِ الَّتِي لاَ صَلاَحَ لِلْعَبْدِ وَلاَ فَلاَحَ
إِلاَّ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُسْتَوْلِيَةَ عَلَى قَلْبِهِ، وَهِيَ إِرَادَةُ
مُرَادِ اللَّهِ الدِّينِيِّ الأَْمْرِيِّ الَّذِي يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ،
وَشُغْلُ الْقَلْبِ وَاهْتِمَامُهُ بِمَعْرِفَتِهِ عَلَى التَّفْصِيلِ بِهِ،
وَالْقِيَامِ بِهِ، وَتَنْفِيذِهِ فِي الْخَلْقِ، وَالتَّطَرُّقِ إِلَى ذَلِكَ،
وَالتَّوَسُّلِ إِلَيْهِ بِالدُّخُولِ فِي الْخَلْقِ لِتَنْفِيذِهِ.
فَيُضِلُّهُمُ الشَّيْطَانُ
عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ دَعَاهُمْ إِلَى تَرْكِهِ وَتَعْطِيلِهِ مِنْ بَابِ الزُّهْدِ
فِي خَوَاطِرِ الدُّنْيَا وَأَسْبَابِهَا، وَأَوْهَمَهُمْ أَنَّ كَمَالَهُمْ فِي
ذَلِكَ التَّجْرِيدِ وَالْفَرَاغِ، وَهَيْهَاتَ!
إِنَّمَا الْكَمَالُ فِي
امْتِلاَءِ الْقَلْبِ مِنَ الْخَوَاطِرِ وَالإِْرَادَاتِ وَالْفِكْرِ فِي
تَحْصِيلِ مَرَاضِي الرَّبِّ تَعَالَى مِنَ الْعَبْدِ وَمِنَ النَّاسِ،
وَالْفِكْرِ فِي طُرُقِ ذَلِكَ وَالتَّوَصُّلِ إِلَيْهِ، فَأَكْمَلُ النَّاسِ أَكْثَرُهُمْ
خَوَاطِرَ وَفِكْرًا وَإِرَادَاتٍ لِذَلِكَ، كَمَا أَنَّ أَنْقَصَ النَّاسِ
أَكْثَرُهُمْ خَوَاطِرَ وَفِكْرًا وَإِرَادَاتٍ لِحُظُوظِهِ وَهَوَاهُ أَيْنَ
كَانَتْ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
وَهَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه كَانَتْ تَتَزَاحَمُ عَلَيْهِ الْخَوَاطِرُ فِي مَرَاضِي الرَّبِّ تَعَالَى، فَرُبَّمَا اسْتَعْمَلَهَا فِي صَلاَتِهِ، فَكَانَ يُجَهِّزُ جَيْشَهُ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ ([1])، فَيَكُونُ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْجِهَادِ وَالصَّلاَةِ.
([1])انظر: صحيح البخاري قبل حديث (1221).