وَقَدْ كَانَ بَعْضُ
السَّلَفِ يُحَاسِبُ أَحَدُهُمْ نَفْسَهُ فِي قَوْلِهِ: يَوْمٌ حَارٌّ، وَيَوْمٌ
بَارِدٌ.
وَلَقَدْ رُئِيَ
بَعْضُالأَْكَابِرِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي النَّوْمِ فَسُئِلَ عَنْ حَالِهِ،
فَقَالَ: أَنَا مَوْقُوفٌ عَلَى كَلِمَةٍ قُلْتُهَا، قُلْتُ: مَا أَحْوَجَ
النَّاسَ إِلَى غَيْثٍ، فَقِيلَ لِي: وَمَا يُدْرِيكَ؟! أَنَا أَعْلَمُ
بِمَصْلَحَةِ عِبَادِي.
وَقَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ
لخادمه يَوْمًا: هَاتِ السُّفْرَةَ نَعْبَثُ بِهَا، ثُمَّ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ
اللَّهَ، مَا أَتَكَلَّمُ بِكَلِمَةٍ إِلاَّ وَأَنَا أَخْطُمُهَا وَأَزُمُّهَا،
إِلاَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ خَرَجَتْ مِنِّي بِغَيْرِ خِطَامٍ وَلاَ زِمَامٍ ([1]). أَوْ كَمَا
قَالَ.
وَأَيْسَرُ حَرَكَاتِ
الْجَوَارِحِ حَرَكَةُ اللِّسَانِ، وَهِيَ أَضَرُّهَا عَلَى الْعَبْدِ.
وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ
وَالْخَلَفُ هَلْ يُكْتَبُ جَمِيعُ مَا يُلْفَظُ بِهِ أَوِ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ
فَقَطْ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، أَظْهَرُهُمَا: الأَْوَّلُ.
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ:
كُلُّ كَلاَمِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لاَ لَهُ، إِلاَّ مَا كَانَ مِنَ اللَّهِ
وَمَا وَالاَهُ.
وَكَانَ الصِّدِّيقُ رضي
الله عنه يُمْسِكُ عَلَى لِسَانِهِ وَيَقُولُ: هَذَا أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ.
وَالْكَلاَمُ أَسِيرُكَ، فَإِذَا
خَرَجَ مِنْ فِيكَ صِرْتَ أَنْتَ أَسِيرَهُ، وَاللَّهُ عِنْدَ لِسَانِ كُلِّ
قَائِلٍ: {مَّا
يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ} [ق: 18] .
وَفِي اللِّسَانِ آفَتَانِ عَظِيمَتَانِ، إِنْ خَلَصَ الْعَبْدُ مِنْ إِحْدَاهُمَا لَمْ يَخْلُصْ مِنَ الأُْخْرَى: آفَةُ الْكَلاَمِ، وَآفَةُ السُّكُوتِ، وَقَدْ يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَعْظَمَ إِثْمًا مِنَ الأُْخْرَى فِي وَقْتِهَا، فَالسَّاكِتُ عَنِ الْحَقِّ شَيْطَانٌ أَخْرَسُ، عَاصٍ لِلَّهِ، مُرَاءٍ مُدَاهِنٌ إِذَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ، وَالْمُتَكَلِّمُ بِالْبَاطِلِ شَيْطَانٌ نَاطِقٌ، عَاصٍ لِلَّهِ.
([1])أخرجه: أحمد رقم (17114)، وأبو نعيم في الحلية (6/77).