×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الثاني

وَأَكْثَرُ الْخَلْقِ مُنْحَرِفٌ فِي كَلاَمِهِ وَسُكُوتِهِ فَهُمْ بَيْنَ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ، وَأَهْلُ الْوَسَطِ - وَهُمْ أَهْلُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ - كَفُّوا أَلْسِنَتَهُمْ عَنِ الْبَاطِلِ، وَأَطْلَقُوهَا فِيمَا يَعُودُ عَلَيْهِمْ نَفْعُهُ فِي الآْخِرَةِ، فَلاَ تَرَى أَحَدَهُمْ يَتَكَلَّمُ بِكَلِمَةٍ تَذْهَبُ عَلَيْهِ ضَائِعَةً بِلاَ مَنْفَعَةٍ، فَضْلاً أَنَ تَضُرَّهُ فِي آخِرَتِهِ. وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ، فَيَجِدُ لِسَانَهُ قَدْ هَدَمَهَا عَلَيْهِ كُلَّهَا، وَيَأْتِي بِسَيِّئَاتٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ فَيَجِدُ لِسَانَهُ قَدْ هَدَمَهَا مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَا اتَّصَلَ بِهِ.

****

الشرح

قوله: «يُحَاسِبُ أَحَدُهُمْ نَفْسَهُ فِي قَوْلِهِ: يَوْمٌ حَارٌّ، وَيَوْمٌ بَارِدٌ» يعني: يَخافُ أن تكونَ هذه الكَلِمة كَأنها شِكايةٌ، فكيفَ بمَن يتكلَّم بأعظمَ مِنها؟!

وقوله: «وَأَيْسَرُ حَرَكَاتِ الْجَوَارِحِ حَرَكَةُ اللِّسَانِ» في حِين أن المشيَ وحَمْلَ الأشياءِ عملٌ شَاقٌّ على الإنسانِ، أما اللسانُ فهو سَهلٌ، يُحرِّكه الإنسانُ ولا يتعبُ أبدًا ولو تكلَّم كلامًا كثيرًا، ومعَ ذلكَ هو أخطرُ الأعضاءِ.

وقوله: «وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ هَلْ يُكْتَبُ جَمِيعُ مَا يُلْفَظُ بِهِ أَوِ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ فَقَطْ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، أَظْهَرُهُمَا: الأَْوَّلُ» يعني: يُكتَب كلُّ شيءٍ، حتى الكَلام الذِي ليسَ بخيرٍ ولا شرٍّ، حتى الكَلام الذِي ضيَّعَ العبدُ وقتَه فيه، ولم يتكلَّم بشيءٍ له مِنه مَصلحةٌ.

فهذا الصِّدِّيق رضي الله عنه - أفضلَ الأمةِ بعدَ نبيِّها صلى الله عليه وسلم - يخافُ من لِسانه ويَقول: «هَذَا أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ»، يعني: يخافُ مِن زَلاَّت وعَثرات لِسانه.


الشرح