وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَرْفُوعِ: «لاَ
يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلاَ يَسْتَقِيمُ
قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ» ([1]).
وَسُئِلَ النَّبِيُّ صلى
الله عليه وسلم عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ؟ فَقَالَ: «الْفَمُ
وَالْفَرْجُ» ([2]). قَالَ
التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَدْ سَأَلَ مُعَاذٌ
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْعَمَلِ الَّذِي يُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ
وَيُبَاعِدُهُ مِنَ النَّارِ، فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
بِرَأْسِهِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَلاَ أُخْبِرُكَ
بِمِلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟» قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِ
نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ: «كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا»، فَقَالَ: وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ
بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ
يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ - أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ - إِلاَّ
حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ؟!» ([3]). قَالَ
التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ
الإِْنْسَانَ يَهُونُ عَلَيْهِ التَّحَفُّظُ وَالاِحْتِرَازُ مِنْ أَكْلِ
الْحَرَامِ وَالظُّلْمِ وَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَمِنَ
النَّظَرِ الْمُحَرَّمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَيَصْعُبُ عَلَيْهِ التَّحَفُّظُ مِنْ
حَرَكَةِ لِسَانِهِ، حَتَّى تَرَى الرَّجُلَ يُشَارُ إِلَيْهِ بِالدِّينِ
وَالزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ، وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَاتِ مِنْ سَخَطِ
اللَّهِ لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً، يَنْزِلُ بِالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْهَا
أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ.
وَكَمْ تَرَى مِنْ رَجُلٍ
مُتَوَرِّعٍ عَنِ الْفَوَاحِشِ وَالظُّلْمِ، وَلِسَانُهُ يَفْرِي فِي أَعْرَاضِ
الأَْحْيَاءِ وَالأَْمْوَاتِ، وَلاَ يُبَالِي مَا يَقُولُ!
****
الشرح
أكثرُ ما يُدخِل الناسَ النارَ: «الفَمُ»، يَعني: الكلامَ،