والله سبحانه وتعالى غفورٌ رَحيمٌ،
ولو كانَ الذنبُ كبيرًا وعظيمًا فإذا تابَ العبدُ إلى اللهِ تابَ اللهُ عَليه،
وإذا كانَ الذنبُ دونَ الشِّرك ودُون الكُفرِ فهو يُرجَى له المَغفرةُ ولو لم
يَتُبْ، هو تحتَ المَشيئةِ إن شاءَ اللهُ غفرَ وإن شاء عَذَّب، وهو إلى العفوِ
أقربُ، فلا يُسِيء الظنَّ باللهِ عز وجل ، بل أشدُّ مِن إساءةِ الظنِّ أنه يَحلفُ
على اللهِ، يَعني: كَأنه يَحجُرُ على اللهِ، ويَمنع اللهَ أن يغفرَ لعِباده؛ وهذا
من سُوء الأدبِ مع اللهِ تبارك وتعالى .
وقوله: «أَحْبَطَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ
عَمَلَهُ كُلَّهُ» كلمةٌ واحدةٌ أفسدتْ دُنياه وآخرتَه، فكيفَ بالكلامِ
الكثيرِ؟!
وقوله: «لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً» يعني: هي
سَهلةٌ عِنده لا يَعُدُّها شيئًا، وهي عِند اللهِ خَطيرة جدًّا {إِذۡ
تَلَقَّوۡنَهُۥ بِأَلۡسِنَتِكُمۡ وَتَقُولُونَ بِأَفۡوَاهِكُم مَّا لَيۡسَ لَكُم
بِهِۦ عِلۡمٞ وَتَحۡسَبُونَهُۥ هَيِّنٗا وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٞ} [النور: 15] .
وقوله: «مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا» يعني:
يَسْتَعجِل ولا يَتثبَّت، والوَاجِب أن الإنسانَ يتثبَّتُ قبلَ أن يتكلَّم في
أحدٍ، فالنَّمَّامُون كَثيرُون، والوُشَاة كَثيرُون، فلاتصدق: {يَٰٓأَيُّهَا
ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن
تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ} [الحجرات: 6] .
قال علقمة: «كَمْ مِنْ كَلاَمٍ قَدْ مَنَعَنِيهِ حَدِيثُ بِلاَلِ بْنِ الْحَارِثِ» لما سمعَ هذا الحديثَ خافَ وصارَ يُمسِك عن كثيرٍ من الكلامِ، يَقول بعضُ السلفِ: «لو كُلِّفَ الناسُ الصُّحُف لأَقَلُّوا الكلامَ» ([1]). يَعني: الوَرَق الذِي يَكتُب عليه الحَفَظَة كلامَكم، لو ما يَأتيكم مِن الكلامِ إلا أنَّكم تَشترُونه لأَمْسَكتم عن كثيرٍ مِن الكلامِ خوفًا على أموالِكم، فكيفَ بالإثمِ، وكيفَ بالعذابِ؟!
([1])أخرجه: ابن أبي الدنيا في الصمت رقم (48).