×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الثاني

وقد رُوِي عن سَمُرَة بن جُنْدُب أنه قالَ لأبي بكرٍ رضي الله عنه : رأيتُ في مَنامي ثورًا خرجَ مِن جُحْرٍ فلم يَستطِع يَعودُ فيه، فقالَ له: «هَذه الكَلِمة العَظيمة تَخرُج مِن فِي الرَّجُل فلا يَستطيعُ أن يَرُدَّها» ([1]). فإذا تكلَّم الإنسانُ بكلمةٍ خاطئةٍ فإنه لا يَستطيع أن يَرُدَّها أبدًا، لأنها خرجتْ وفَلَتَتْ، والواجبُ عليه أن يَحبِسها قبلَ أن يتكلَّم بها.

وأشدُّ مِن ذلكَ الذينَ يتكلَّمون في الخُطَب والمُحاضرات، أو يَكتبون ويَنشرون الكَلام السيِّئ والكَلام الفاحِش الذِي يُغضِب اللهَ عز وجل .

وفي الحَديث عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى قَوْمٍ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاَءِ قَالُوا: خُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ» ([2])، هؤلاء خُطباء الفِتنة الذِين يُحرِّضون الناسَ على الشرِّ وعلى القِتال بينَ المُسلمين.

وقوله: «وَمَا يُدْرِيكَ؟! لَعَلَّهُ تَكَلَّمَ فِيمَا لاَ يَعْنِيهِ» هذا فِيه دليلٌ على أنَّ الإنسانَ لا يَجزِم لأحدٍ مُعيَّن بجنةٍ ولا نارٍ، ويقولُ: فُلان في الجنةِ، أو فُلان في النارِ، لكِن يَرجو للمُحسِن ويَخاف على المُسِيء؛ لأنه لا يَدرِي عن الخَواتيم، فلا يَجزمُ لمُعيَّنٍ إلا بدليلٍ من كِتاب اللهِ وسنةِ رسولِه صلى الله عليه وسلم .

وقوله: «مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ» هذا في الكَلام وغَيره، فإن رأيتَ مَجالاً للكَلام تَكلَّمْ، وإن لم ترَ فَاتْرُك الكلامَ، فهذا أَسْلَمُ.


الشرح

([1])أخرجه: ابن أبي شيبة في مصنفه رقم (30516).

([2])أخرجه: أحمد رقم (12211)، وأبي يعلى رقم (3996)، والبيهقي في الشعب رقم (4614).