وإنما قالَ: «مَهْلاً يَا بُنَيَّ»، يعني: لم يُخوِّفه باللهِ، ولم يُظهِر له
غضبَه من فِعلته، فغضبَ اللهُ عليه وعاجلَه بالعُقوبة.
وقوله: «الْقَتْلُ فِيهِ بِأَشْنَعِ الْقِتَلاَتِ»
هذا في الثَّيِّبِ، يُرجَم بالحِجارة أشنعَ رَجْمٍ حتى يَمُوت، أما البِكْر فإنه
يُجلَد ويُغرَّب عن وَطَنِه سنةً، قالَ تَعالى: {ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ
كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ وَلَا تَأۡخُذۡكُم بِهِمَا رَأۡفَةٞ
فِي دِينِ ٱللَّهِ} [النور: 2] ، فالرَّأفةُ هي في تطبيقِ الحَدِّ لا مَنْع الحَدِّ؛ لأن
مَنْعَ الحَدِّ ليس فيه إلا الشَّرُّ.
وقوله: «فَقُلُوبُهُمْ تَرْحَمُ الزَّانِيَ أَكْثَرَ
مِمَّا تَرْحَمُ غَيْرَهُ مِنْ أَرْبَابِ الْجَرَائِمِ» يعني: بَعض الناسِ لا
يَجِدون في نُفوسهم مِن الغَضَب على الزَّاني مِثل ما يَجِدُونه على السَّارِق
وشَارب الخَمْر، مع أن جَرِيمة الزنَا أَشَدُّ من جريمةِ السَّرقة، وجَريمة شُرب
الخَمْر، والجَرائم تَتَفاوت بحسبِ آثارِها وعَواقبها، لأجلِ ذلكَ شرعَ اللهُ جل
وعلا هذه الحُدود، مع أنه أرحمُ الراحمينَ، وهذه الحُدود لا شكَّ أنها مُؤلِمة
وأنها شَديدة، ولكِنه تبارك وتعالى شَرَعَ الحَدَّ على الزَّاني، لأنه ارتكبَ
أشنعَ جريمةٍ، والتِي لها أشنعُ أثرٍ، فكيفَ يُرحَم الزَّاني ويُترَك حَدُّ الزنَا
ولا يُرحَم المجتمعُ الذِي أساءَ إليه، ولا تُرحَم المرأةُ التِي أفسدَ عِرضها؟!
فلا يجوزُ أن يُترَك
المُجرِم ليفلتَ بجريمتِه، ويُقال: إن في ذلكَ رحمةً له، بل يُطبَّق عليه الحَدُّ،
والرحمةُ إنما هِي في إقامةِ الحَدِّ عليه من أجلِ تَطهيره هو مِن ذنبِه، ومِن
أجلِ حِماية المُجتمع أيضًا.
وقوله: «أَنْ يَكُونَ حَدُّهُمَا بِمَشْهَدٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»، فلا تُقام الحدودُ خُفيةً، وإنما تُقام ظاهرةً في مَجامع الناسِ من أجلِ الرَّدْعِ والاعتبارِ.