وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ هَلْ يَدْخُلُ
الْجَنَّةَ مَفْعُولٌ بِهِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، سَمِعْتُ شَيْخَ الإِْسْلاَمِ
يَحْكِيهِمَا.
وَالَّذِينَ قَالُوا: لاَ
يَدْخُلُ الْجَنَّةَ احْتَجُّوا بِأُمُورٍ:
مِنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ
صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَلَدُ زَنْيَةٍ» ([1]).
فَإِذَا كَانَ هَذَا حَالُ
وَلَدِ الزِّنَا مَعَ أَنَّهُ لاَ ذَنْبَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ مَظِنَّةُ
كُلِّ شَرٍّ وَخُبْثٍ، وَهُوَ جَدِيرٌ أَنْ لاَ يَجِيءَ مِنْهُ خَيْرٌ أَبَدًا،
لأَِنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ نُطْفَةٍ خَبِيثَةٍ، وَإِذَا كَانَ الْجَسَدُ الَّذِي
تَرَبَّى عَلَى الْحَرَامِ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ، فَكَيْفَ بِالْجَسَدِ الْمَخْلُوقِ
مِنَ النُّطْفَةِ الْحَرَامِ؟!
قَالُوا: وَالْمَفْعُولُ
بِهِ شَرٌّ مِنْ وَلَدِ الزِّنَا، وَأَخْزَى وَأَخْبَثُ وَأَوْقَحُ، وَهُوَ
جَدِيرٌ أَنْ لاَ يُوَفَّقَ لِخَيْرٍ، وَأَنْ يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ،
وَكُلَّمَا عَمِلَ خَيْرًا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَا يُفْسِدُهُ عُقُوبَةً لَهُ،
وَقَلَّ أَنْ تَرَى مَنْ كَانَ كَذَلِكَ فِي صِغَرِهِ إِلاَّ وَهُوَ فِي كِبَرِهِ
شَرٌّ مِمَّا كَانَ، وَلاَ يُوَفَّقُ لِعِلْمٍ نَافِعٍ، وَلاَ عَمَلٍ صَالِحٍ،
وَلاَ تَوْبَةٍ نَصُوحٍ.
وَالتَّحْقِيقُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُقَالَ: إِنْ تَابَ الْمُبْتَلَى بِهَذَا الْبَلاَءِ وَأَنَابَ، وَرُزِقَ تَوْبَةً نَصُوحًا وَعَمَلاً صَالِحًا، وَكَانَ فِي كِبَرِهِ خَيْرًا مِنْهُ فِي صِغَرِهِ، وَبَدَّلَ سَيِّئَاتِهِ بِحَسَنَاتٍ، وَغَسَلَ عَارَ ذَلِكَ عَنْهُ بِأَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ وَالْقُرُبَاتِ، وَغَضَّ بَصَرَهُ وَحَفِظَ فَرْجَهُ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَصَدَقَ اللَّهَ فِي مُعَامَلَتِهِ، فَهَذَا مَغْفُورٌ لَهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، وَإِذَا كَانَتِ التَّوْبَةُ تَمْحُو كُلَّ ذَنْبٍ، حَتَّى الشِّرْكَ بِاللَّهِ وَقَتْلَ أَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ وَالسِّحْرَ وَالْكُفْرَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَلاَ تَقْصُرُ عَنْ مَحْوِ هَذَا الذَّنْبِ.
([1])أخرجه: النسائي في الكبرى رقم (4894)، وأحمد رقم (6892)، وابن حبان رقم (3383).