وَقَدِ اسْتَقَرَّتْ
حِكْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ عَدْلاً وَفَضْلاً أَنَّ التَّائِبَ مِنَ
الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ. وَقَدْ ضَمِنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِمَنْ
تَابَ مِنَ الشِّرْكِ وَقَتْلِ النَّفْسِ وَالزِّنَا أَنَّهُ يُبَدِّلُ
سَيِّئَاتِهِ حَسَنَاتٍ، وَهَذَا حُكْمٌ عَامٌّ لِكُلِّ تَائِبٍ مِنْ ذَنْبٍ.
وَقَدْ قالَ تَعالى: {۞قُلۡ
يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن
رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ
ٱلرَّحِيمُ } [الزُّمَرِ: 53] .
فَلاَ يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ ذَنْبٌ وَاحِدٌ، وَلَكِنْ هَذَا فِي حَقِّ
التَّائِبِينَ خَاصَّةً.
وَأَمَّا الْمَفْعُولُ بِهِ
إِنْ كَانَ فِي كِبَرِهِ شَرًّا مِمَّا كَانَ فِي صِغَرِهِ؛ لَمْ يُوَفَّقْ
لِتَوْبَةٍ نَصُوحٍ، وَلاَ لِعَمَلٍ صَالِحٍ، وَلاَ اسْتِدْرَاكِ مَا فَاتَ، وَلاَ
أَحيا ما أمات، ولا بْدَلَ السَّيِّئَاتِ بِالْحَسَنَاتِ، فَهَذَا بَعِيدٌ أَنْ
يُوَفَّقَ عِنْدَ الْمَمَاتِ لِخَاتِمَةٍ يَدْخُلُ بِهَا الْجَنَّةَ؛ عُقُوبَةً
لَهُ عَلَى عَمَلِهِ. فَإِنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى يُعَاقِبُ عَلَى السَّيِّئَةِ
بِسَيِّئَةٍ أُخْرَى، فَتَتَضَاعَفُ عُقُوبَةُ السَّيِّئَاتِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ،
كَمَا يُثِيبُ عَلَى الْحَسَنَةِ بِحَسَنَةٍ أُخْرَى.
إِذَا نَظَرْتَ إِلَى حَالِ
كَثِيرٍ مِنَ الْمُحْتَضِرِينَ وَجَدْتَهُمْ يُحَالُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ حُسْنِ
الْخَاتِمَةِ، عُقُوبَةً لَهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمُ السَّيِّئَةِ.
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الإِْشْبِيلِيُّ رحمه الله : «وَاعْلَمْ أَنَّ لِسُوءِ الْخَاتِمَةِ - أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْهَا - أَسْبَابًا، وَلَهَا طُرُقٌ وَأَبْوَابٌ، أَعْظَمُهَا: الاِنْكِبَابُ عَلَى الدُّنْيَا، وَالإِْعْرَاضُ عَنِ الأُْخْرَى، وَالإِْقْدَامُ وَالْجَرْأَةُ عَلَى مَعَاصِي اللَّهِ عز وجل ، وَرُبَّمَا غَلَبَ عَلَى الإِْنْسَانِ ضَرْبٌ مِنَ الْخَطِيئَةِ، وَنَوْعٌ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، وَجَانِبٌ مِنَ الإِْعْرَاضِ، وَنَصِيبٌ مِنَ الْجَرْأَةِ وَالإِْقْدَامِ، فَمَلَكَ قَلْبَهُ، وَسَبَى عَقْلَهُ وَأَطْفَأَ نُورَهُ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِ حُجُبَهُ، فَلَمْ تَنْفَعْ فِيهِ تَذْكِرَةٌ، وَلاَ نَجَحَتْ فِيهِ مَوْعِظَةٌ،