فَرُبَّمَا
جَاءَهُ الْمَوْتُ عَلَى ذَلِكَ، فَسَمِعَ النِّدَاءَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ،
فَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ الْمُرَادُ، وَلاَ عَلِمَ مَا أَرَادَ، وَإِنْ كَرَّرَ
عَلَيْهِ الدَّاعِي وَأَعَادَ» ([1]).
قَالَ:
«وَيُرْوَى أَنَّ بَعْضَ رِجَالِ النَّاصِرِ نَزَلَ الْمَوْتُ بِهِ، فَجَعَلَ
ابْنُهُ يَقُولُ: قُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَقَالَ: النَّاصِرُ مَوْلاَيَ،
فَأَعَادَ عَلَيْهِ الْقَوْلَ، فَأَعَادَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَصَابَتْهُ
غَشْيَةٌ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: النَّاصِرُ مَوْلاَيَ، وَكَانَ هَذَا دَأْبَهُ
كُلَّمَا قِيلَ لَهُ قُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، قَالَ: النَّاصِرُ
مَوْلاَيَ، ثُمَّ قَالَ لاِبْنِهِ: يَا فُلاَنُ، النَّاصِرُ إِنَّمَا يَعْرِفُكَ
بِسَيْفِكَ، وَالْقَتْلَ الْقَتْلَ، ثُمَّ مَاتَ».
قَالَ
عَبْدُ الْحَقِّ: «وَقِيلَ لآِخَرَ - مِمَّنْ أَعْرِفُهُ - : قُلْ لاَ إِلَهَ
إِلاَّ اللَّهُ. فَجَعَلَ يَقُولُ: الدَّارُ الْفُلاَنِيَّةُ أَصْلِحُوا فِيهَا
كَذَا، وَالْبُسْتَانُ الْفُلاَنِيُّ افْعَلُوا فِيهِ كَذَا».
وَقَالَ:
«وَفِيمَا أَذِنَ أَبُو طَاهِرٍ السَّلَفِيُّ أَنْ أُحَدِّثَ بِهِ عَنْهُ: أَنَّ
رَجُلاً نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ، فَقِيلَ لَهُ: قُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ،
فَجَعَلَ يَقُولُ بِالْفَارِسِيَّةِ: دَهْ يَازَدَهْ دَهْ وَازَدَهْ، تَفْسِيرُهُ:
عَشْرٌ بِأَحَدَ عَشَرَ. وَقِيلَ لآِخَرَ: قُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ،
فَجَعَلَ يَقُولُ: أَيْنَ الطَّرِيقُ إِلَى حَمَّامِ مِنْجَابِ».
قَالَ:
«وَهَذَا الْكَلاَمُ لَهُ قِصَّةٌ، وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلاً كَانَ وَاقِفًا
بِإِزَاءِ دَارِهِ، وَكَانَ بَابُهَا يُشْبِهُ بَابَ هَذَا الْحَمَّامِ، فَمَرَّتْ
بِهِ جَارِيَةٌ لَهَا مَنْظَرٌ، فَقَالَتْ: أَيْنَ الطَّرِيقُ إِلَى حَمَّامِ
مِنْجَابِ؟
فَقَالَ:
هَذَا حَمَّامُ مِنْجَابِ.
فَدَخَلَتِ الدَّارَ وَدَخَلَ وَرَاءَهَا، فَلَمَّا رَأَتْ نَفْسَهَا فِي دَارِهِ وَعَلِمَتْ أَنَّهُ قَدْ خَدَعَهَا، أَظْهَرَتْ لَهُ الْبُشْرَى وَالْفَرَحَ بِاجْتِمَاعِهَا مَعَهُ، وَقَالَتْ لَهُ: يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَعَنَا مَا يَطِيبُ بِهِ عَيْشُنَا وَتَقَرُّ بِهِ عُيُونُنَا.
([1])ينظر: العاقبة في ذكر الموت (ص: 178).