فَقَالَ
لَهَا: السَّاعَةَ آتِيكِ بِكُلِّ مَا تُرِيدِينَ وَتَشْتَهِينَ، وَخَرَجَ
وَتَرَكَهَا فِي الدَّارِ وَلَمْ يُغْلِقْهَا، فَأَخَذَ مَا يَصْلُحُ وَرَجَعَ،
فَوَجَدَهَا قَدْ خَرَجَتْ وَذَهَبَتْ، وَلَمْ تَخُنْهُ فِي شَيْءٍ، فَهَامَ الرَّجُلُ
وَأَكْثَرَ الذِّكْرَ لَهَا، وَجَعَلَ يَمْشِي فِي الطُّرُقِ وَالأَْزِقَّةِ
وَيَقُولُ:
|
يَا
رُبَّ قَائِلَةٍ يَوْمًا وَقَدْ تَعِبَتْ |
|
كَيْفَ
الطَّرِيقُ إِلَى حَمَّامِ مِنْجَابِ |
فَبَيْنَمَا
هُوَ يَوْمًا يَقُولُ ذَلِكَ، إِذَا بِجَارِيَتِهِ أَجَابَتْهُ مِنْ طَاقٍ:
|
قرنان
هَلاَّ جَعَلْتَ إِذْ ظَفِرْتَ بِهَا |
|
حِرْزًا
عَلَى الدَّارِ أَوْ قُفْلاً عَلَى الْبَابِ |
فَازْدَادَ
هَيَمَانُهُ وَاشْتَدَّ، وَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى كَانَ هَذَا
الْبَيْتُ آخِرَ كَلاَمِهِ مِنَ الدُّنْيَا».
قَالَ:
«وَيُرْوَى أَنَّ رَجُلاً عَشِقَ شَخْصًا فَاشْتَدَّ كَلَفُهُ بِهِ، وَتَمَكَّنَ
حُبُّهُ مِنْ قَلْبِهِ، حَتَّى وَقَعَ لما بِهِ، وَلَزِمَ الْفِرَاشَ من أجله،
وَتَمَنَّعَ ذَلِكَ الشَّخْصُ عَلَيْهِ، وَاشْتَدَّ نِفَارُهُ عَنْهُ، فَلَمْ
تَزَلِ الْوَسَائِطُ يَمْشُونَ بَيْنَهُمَا حَتَّى وَعَدَهُ بِأَنْ يَعُودَهُ،
فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ البائس، فَفَرِحَ وَاشْتَدَّ سُرُورُهُ وَانْجَلَى غَمُّهُ،
وَجَعَلَ يَنْتَظِرُ الْمِيعَادَ الَّذِي ضَرَبَه لَهُ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ
إِذْ جَاءَهُ السَّاعِي بَيْنَهُمَا، فَقَالَ: إِنَّهُ وَصَلَ مَعِي إِلَى بَعْضِ
الطَّرِيقِ وَرَجَعَ، فَرَغَّبْتُ إِلَيْهِ وَكَلَّمْتُهُ.
فَقَالَ:
إِنَّهُ ذَكَرَنِي وَصَرَّحَ بِي، وَلاَ أَدْخُلُ مَدَاخِلَ الرِّيبَ، وَلاَ
أُعَرِّضُ نَفْسِي لِمَوَاقِعِ التُّهَمِ.
فَعَاوَدْتُهُ،
فَأَبَى وَانْصَرَفَ. فَلَمَّا سَمِعَالْبَائِسُ أُسْقِطَ فِي يَدِهِ، وَعَادَ
إِلَى أَشَدَّ مِمَّا كَانَ بِهِ، وَبَدَتْ عَلَيْهِ عَلاَئِمُ الموت، فَجَعَلَ
يَقُولُ فِي تِلْكَ الْحَالِ:
|
أسَلْمُ
يَا رَاحَةَ الْعَلِيلِ |
|
وَيَا
شِفَا الْمُدْنَفِ النَّحِيلِ |
|
رِضَاكِ
أَشْهَى إِلَى فُؤَادِي |
|
مِنْ
رَحْمَةِ الْخَالِقِ الْجَلِيلِ |