وأوَّل ما حَدَثَتْ هذه الفاحشةُ في قومِ لُوطٍ،
لم تكن مَوجودةُ فيمن قبلَهم، ولهذا قالَ جل وعلا : {مَا
سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} ، وهذه الجَريمةُ تتنزَّه عنها الحيواناتُ، حتى
الحَيوانات لا يكونُ فيها شَهوةُ إتيانِ الذُّكور، إنما هَذه في بعضِ بني آدمَ،
ولهذا كانتْ عُقوبتها أشدَّ العُقوبات، وقد أرسلَ اللهُ جِبريل عليه السلام فنزعَ
بِلادهم حتى بَلغت عَنان السَّماء، ثم إنه قَلَبَها عَليهم، وأتبعَهم بحِجارةٍ من
سِجِّيلٍ مِن جهنَّم.
هذه عُقوبتهم التي حصلتْ لهم
لم يكُن لها مَثيلٌ في العُقوبات؛ لأن جَريمتهم لم تكُن مِثل غَيرها مِن الجَرائم،
ولهذا يُقتَل فيها الفاعلُ والمفعولُ به، سَواء كانَا مُحصَنِين أو غَير
مُحصَنِين.
فقد أجمعَ الصَّحابةُ على
قتلِ اللُّوطِيِّ، لكِنهم اختلفُوا في كَيفية قتلِه، فمِنهم مَن يقولُ: يُقتَل
بالسَّيف، ومِنهم من يَقول: يُرمَى مِن أرفعِ مَكان في البَلد، ويُتبَع بالحِجارة،
كما فعلَ اللهُ بقومِ لُوطٍ، ومنهم مَن يقولُ: يُحرَّق في النارِ. وقد حرَّق
الصِّدِّيقُ وغيرُه من الصحابةِ اللُّوطِيَّةَ بالنارِ، فهم أجمعُوا على قتلِه
-وإن اختلفُوا في الوَسيلة أو الكَيفية التِي يَتِمُّ بها قتلُه- .
والآنَ في بعضِ الدُّوَل
يُبِيحون اللواطَ، ويَحمُونه في قَوانينهم، ويُسَمُّون فَاعِلِيه: المِثْلِيِّين،
يَعني: يَأتي مِثلَه. ويَكفي قُبحًا تَسميتهم له بالمِثل، يَعني يَأتي مِثله
والعِياذُ باللهِ، فهَذه جَريمةٌ شَنيعةٌ، وأَصحابُها مَنبُوذون في العَالم.
وقوله: «وَأَنَّ الْحَامِلَ لَهُمْ عَلَيْهِ لَيْسَ إِلاَّ مُجَرَّدَ الشَّهْوَةِ، لاَ الْحَاجَةَ الَّتِي لأَِجْلِهَا مَالَ الذَّكَرُ إِلَى الأُْنْثَى»، اللهُ جل وعلا جعلَ مَصرفًا لهذه الشهوةِ، فهو سُبحانه خلقَ الشهوةَ في بَني آدمَ وفي جَميع الحَيوانات لحِكمةٍ عظيمةٍ، ولكِنه جعلَ لها مَصرفًا مُنضبطًا وهو الزواجُ بينَ الذكرِ والأُنثى: {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمۡ رَبُّكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُمۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٌ عَادُونَ} [الشعراء: 166] .