فلهذا لمَّا فتحَ اللهُ على النبيِّ صلى الله
عليه وسلم مَكَّةَ، وفرضَ اللهُ الحَجَّ، تأخَّر في أوَّل سَنَةٍ؛ لأجلِ مَنع هذه
الجَريمة، وأرسلَ مَن يُنادِي: «أَنْ لاَ
يَحُجَّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ ولا يَطَّوَّفْ بِالبَيْتِ عُرْيَانٌ» ([1])، وذلك لقَوله
تَعالى: { يَٰٓأَيُّهَا
ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡمُشۡرِكُونَ نَجَسٞ فَلَا يَقۡرَبُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ
ٱلۡحَرَامَ بَعۡدَ عَامِهِمۡ} [التوبة: 28] ، فمنعَ المُشركين والعُرَاة مِن الطَّواف
بالبيتِ.
واستقرَّ هذا - وللهِ الحَمد
- فمُنِع الشِّركُ ومُنِع التَّعَرِّي حولَ البيتِ، وإن كانَ الآنَ فيه مِن
النساءِ الفَاتنات مَن تُحاوِل أن تُظهِر زِينتها عندَ البيتِ، لكِن هذا شَيء
يَحدثُ خُفْيَةً، ومَسؤوليتُه على مَن تَبَنَّاهُ وفعلَه، لكن هو مِن جِهَة
العُموم مَمنوعٌ.
كذلك الشِّركُ مَمنوعٌ مِن
جِهَة العُموم، وكَون بعضِ الناسِ يَصدُر منه شِركٌ، أو دَعوةٌ لغيرِ اللهِ، فهذه
أمورٌ فَرْدِيَّة، ولكن مَظْهَر الشركِ، ومَظْهَر الوَثَنِيَّة، ومَظْهَر
الأصنامِ، طَهَّرَ اللهُ البيتَ منه وللهِ الحمدُ، فلا يُوجَد مِنها شيءٌ إلا
فَلتاتٌ من بعضِ الناسِ وتُعالَج والحمدُ للهِ.
الشاهدُ: أن غَضَّ البصرِ
أوَّل طُرُقِ عِلاج هذه الشهوةِ.
وقد ذكرَ اللهُ فوائدَ غضِّ
البصرِ فقالَ: {ذَٰلِكَ أَزۡكَىٰ
لَهُمۡۚ} [النور: 30] ، فإذا
غضَّ الإنسانُ بصرَه فهو أزكَى له، يَعني: أَطْهَر له ولقَلبه ولسُلوكه وأَخلاقه،
فغَضُّ البصرِ يتزكَّى فيه الإنسانُ في قَلبه، وفي نَفسه، وفي أعمالِه وأخلاقِه،
ولا يَدِبُّ إليه شهوةٌ.
وكذلك: إذا غَضَّ بصرَه ألقَى اللهُ في قَلبه نُور الإيمانِ، وأما إذا لم يَغُضَّ بصرَه فإن قلبَه يعمَى بمرضِ الشهوةِ وظُلمات الشهوةِ، فلا يكُون فيه نُور.
([1])أخرجه: البخاري رقم (369)، ومسلم رقم (1347).