×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الثاني

وكثيرٌ مِن الناسِ يكُون عِنده مَعرفة بالأشياءِ، وأن هذا ضارٌّ وهذا نافعٌ، ولكن ليسَ عِنده عزيمةٌ على تَركِ الضَّارِّ، فهو يَعرِف أن الزنَا قبيحٌ، وأن له آثارًا سيِّئة، ولكنه لا يَقدِر على تَركِه، لأنه ليسَ عِنده عزيمةٌ ولا صبرٌ، ويَعرِف مثلاً أن شُرب الدخانِ ضارٌّ، وأنه قبيحٌ ومُنْتِن، وأنه لا خيرَ فيه، لكنه لا يَقدِر على تَركه، لضَعف عَزيمته.

فلا يَكفِي أن يَعْلَمَ الضارَّ من النافعِ، بل لابُدَّ أن يكونَ مع المَعرفة عزمٌ على تركِ ما يضرُّه، والصبرُ عنها، وما هي إلا مُدَّةٌ يَسِيرةٌ حتى يَنْسَاها ويُبغِضها، والذِي ليس عِنده عزيمةٌ لا يَنتفِع بنفسِه ولا يَنتفِع به غيرُه.

واللهُ تبارك وتعالى يقولُ: {وَجَعَلۡنَا مِنۡهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا لَمَّا صَبَرُواْۖ وَكَانُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24] .

بالصبرِ واليَقين بما عِند اللهِ عز وجل مِن الثوابِ والعِقاب يَنال الإنسانُ الإمامةَ، وليس مَعنى الإمامةِ هُنا أنه يكُون وَالِيًا على أمورِ المُسلمين، وإنما مَعناها أنه يكُون قُدْوَة حَسَنة؛ لأن الإمامةَ لها مَعانٍ، مِنها: القُدْوَة {وَجَعَلۡنَا مِنۡهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا} - يَعني: قُدْوَة - {وَٱجۡعَلۡنَا لِلۡمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74] يَعني: قُدوة حَسنة.

ولهَذا يَقول شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيةَ رحمه الله : «بالصَّبر واليَقين تُنال الإمامةُ في الدِّين» ([1]).

فمِن الناسِ مَن يَمشي في نُورٍ ويَمشي الناسُ على نُورِه، وهو العَالِم الذِي يَعملُ بعِلْمه، هذا يكُون نَفعُه لنَفسِه ومُتَعَدِّيًا لغَيره، مِثل القَمر والشَّمس بعدَ الإضاءةِ في أَنْفُسِهما يُضيئان الكَوْن.


الشرح

([1])ينظر: مجموع الفتاوى (3/358).