×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الثاني

 وَلاَ غَمَّ وَلاَ حَزَنَ إِلاَّ حَيْثُ يُفَوِّتُهُ الْعَبْدُ مَعْنَى هَذِهِ الْبَاءِ، فَيَصِيرُ قَلْبُهُ حِينَئِذٍ كَالْحُوتِ، إِذَا فَارَقَ الْمَاءَ يَثِبُ وَيَنْقَلِبُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ.

وَلَمَّا حَصَلَتْ هَذِهِ الْمُوَافَقَةُ مِنَ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ فِي مَحَابِّهِ؛ حَصَلَتْ مُوَافَقَةُ الرَّبِّ لِعَبْدِهِ فِي حَوَائِجِهِ وَمَطَالِبِهِ، فَقَالَ: «وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ». أَيْ: كَمَا وَافَقَنِي فِي مُرَادِي بِامْتِثَالِ أَوَامِرِي وَالتَّقَرُّبِ بِمَحَابِّي، فَأَنَا أُوَافِقُهُ فِي رَغْبَتِهِ وَرَهْبَتِهِ فِيمَا يَسْأَلُنِي أَنْ أَفْعَلَهُ بِهِ، وَيَسْتَعِيذُنِي أَنْ يَنَالَهُ.

وَقَوِيَ أَمْرُ هَذِهِ الْمُوَافَقَةِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ حَتَّى اقْتَضَى تَرَدُّدَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُفِي إِمَاتَةِ عَبْدِهِ؛ لأَِنَّهُ يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَالرَّبُّ تَعَالَى يَكْرَهُ مَا يَكْرَهُهُ عَبْدُهُ، وَيَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ، فَمِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ يَقْتَضِي أَنْ لاَ يُمِيتَهُ، وَلَكِنَّ مَصْلَحَتَهُ فِي إِمَاتَتِهِ، فَإِنَّهُ مَا أَمَاتَهُ إِلاَّ لِيُحْيِيَهُ، وَلاَ أَمْرَضَهُ إِلاَّ لِيُصِحَّهُ، وَلاَ أَفْقَرَهُ إِلاَّ لِيُغْنِيَهُ، وَلاَ مَنَعَهُ إِلاَّ لِيُعْطِيَهُ، وَلَمْ يُخْرَجْ مِنَ الْجَنَّةِ فِي صُلْبِ أَبِيهِ إِلاَّ لِيُعِيدَهُ إِلَيْهَا عَلَى أَحْسَنِ أَحْوَالِهِ، وَلَمْ يَقُلْ لأَِبِيهِ اخْرُجْ مِنْهَا إِلاَّ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُعِيدَهُ إِلَيْهَا.

فَهَذَا هُوَ الْحَبِيبُ عَلَى الْحَقِيقَةِ لاَ سِوَاهُ، بَلْ لَوْ كَانَ فِي كُلِّ مَنْبَتِ شَعْرَةٍ مِنَ الْعَبْدِ مَحَبَّةٌ تَامَّةٌ لِلَّهِ، لَكَانَ بَعْضُ مَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَى عَبْدِهِ ([1]).

نَقِّلْ فُؤَادَكَ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ الْهَوَى

 

مَا الْحُبُّ إِلاَّ لِلْحَبِيبِ الأَْوَّلِ

كَمْ مَنْزِلٍ فِي الأَْرْضِ يَأْلَفُهُ الْفَتَى

 

وَحَنِينُهُ أَبَدًا لأَِوَّلِ مَنْزِلِ

****

الشرح

المعيَّة على قِسْمَين:

مَعيَّة عَامة لجَميع الخَلْق: بمَعنى الإحاطَة، فاللهُ جل وعلا محيطٌ بجَميع خَلقه، يَعْلَم ما يَعملُون وما يقعُ منهم، مُؤْمِنِهم وكَافِرِهم، لا تَخْفَى عليه خافيةٌ.


الشرح

([1])البيتان لأبي تمام، ينظر: ديوانه بشرح التبريزي (4/253).