×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الثاني

 وَتَأَمَّلْ كَيْفَ قَالَ: «فَبِي يَسْمَعُ، وَبِي يُبْصِرُ» وَلَمْ يَقُلْ: فَلِي يَسْمَعُ، وَلِي يُبْصِرُ، وَرُبَّمَا يَظُنُّ الظَّنَّانُ أَنَّ اللاَّمَ أَوْلَى بِهَذَا الْمَوْضِعِ، إِذْ هِيَ أَدَلُّ عَلَى الْغَايَةِ، وَوُقُوعُ هَذِهِ الأُْمُورِ لِلَّهِ، وَذَلِكَ أَخَصُّ مِنْ وُقُوعِهَا بِهِ، وَهَذَا مِنَ الْوَهْمِ وَالْغَلَطِ، إِذْ لَيْسَتِ الْبَاءُ هَاهُنَا بِمُجَرَّدِ الاِسْتِعَانَةِ، فَإِنَّ حَرَكَاتِ الأَْبْرَارِ وَالْفُجَّارِ وَإِدْرَاكَاتِهِمْ إِنَّمَا هِيَ بِمَعُونَةِ اللَّهِ لَهُمْ، وَإِنَّ الْبَاءَ هَاهُنَا لِلْمُصَاحَبَةِ، أَيْ: إِنَّمَا يَسْمَعُ وَيُبْصِرُ وَيَبْطِشُ وَيَمْشِي وَأَنَا صَاحِبُهُ مَعَهُ، كَقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الآْخَرِ: «أَنَا مَعَ عَبْدِي مَا ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ».

وَهَذِهِ هِيَ الْمَعِيَّةُ الْخَاصَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ} [التَّوْبَةِ: 40] . وَقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا» ([1])، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} [الْعَنْكَبُوتِ: 69] . وَقَوْلِهِ: {إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحۡسِنُونَ} [النَّحْلِ: 128] . وَقَوْلِهِ: {وَٱصۡبِرُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ} [الأَْنْفَالِ: 46] . وَقَوْلِهِ: {كَلَّآۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهۡدِينِ} [الشُّعَرَاءِ: 62] . وَقَوْلِهِ تَعَالَى لِمُوسَى وَهَارُونَ: { إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسۡمَعُ وَأَرَىٰ} [طه: 46] .

فَهَذِهِ الْبَاءُ مُفِيدَةٌ لِمَعْنَى هَذِهِ الْمَعِيَّةِ دُونَ اللاَّمِ، وَلاَ يَتَأَتَّى لِلْعَبْدِ الإِْخْلاَصُ وَالصَّبْرُ وَالتَّوَكُّلُ، وَنُزُولُهُ فِي مَنَازِلِ الْعُبُودِيَّةِ، إِلاَّ بِهَذِهِ الْبَاءِ وَهَذِهِ الْمَعِيَّةِ.

فَمَتَى كَانَ الْعَبْدُ بِاللَّهِ هَانَتْ عَلَيْهِ الْمَشَاقُّ، وَانْقَلَبَتِ الْمَخَاوِفُ فِي حَقِّهِ، فَبِاللَّهِ يَهُونُ كُلُّ صَعْبٍ، وَيَسْهُلُ كُلُّ عَسِيرٍ، وَيَقْرُبُ كُلُّ بَعِيدٍ، وَبِاللَّهِ تَزُولُ الْهُمُومُ وَالْغُمُومُ وَالأَْحْزَانُ، فَلاَ هَمَّ مَعَ اللَّهِ،


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (3615)، ومسلم رقم (2009).