ومعيَّة خَاصَّة
بالمُؤمنين: بمَعنى التَّوْفِيق والتَّسْديد والإعانَة، {إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ
ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحۡسِنُونَ}، فسَبَب هذه المَعِيَّة: التَّقْوَى والإحسَان، فإذا
أحسنَ العَبْدُ واتَّقى صارَ في مَعِيَّة اللهِ جل وعلا .
وكما قالَ لمُوسى وهَارون
عليهما السلام : {إِنَّنِي
مَعَكُمَآ أَسۡمَعُ وَأَرَىٰ} [طه: 46] ، هذه مَعيةٌ خاصةٌ بالمُؤمنين، بمَعنى:
التَّسْدِيد والتوفِيق والإعانَة والحِفْظ، والحِماية، فهو سُبحانه مع عِباده
المُؤمنين بهذه المَعاني العَظيمة، كما في قَوله تَعالى: {وَٱصۡبِرُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ
مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ} [الأَْنْفَالِ: 46] ، فالصَّبْر على طاعةِ اللهِ، والصَّبر عن مَحارِم
اللهِ، والصَّبر عن الجَزَع في المَصَائِب، كُلّ ذلك مِن الأسبابِ التي يكُون بها
العَبْد في مَعيَّة اللهِ.
ولمَّا رَأَى قومُ موسَى
فِرْعَوْن وجُنوده قد لحقُوا بهم مِن خَلْفِهم، والبَحْرُ أمامَهم، قالوا لمُوسى: {إِنَّا
لَمُدۡرَكُونَ} [الشُّعَرَاءِ: 61]
؛ لأن هذا الَّذي يَرَوْنَه فقد أُحِيطَ بهم مِن كُلّ جانبٍ، فقالَ لهم مُوسى: {كَلَّآۖ} هذا نفيٌ، أي: لا
يُدرِكنا فِرْعَوْن، لمَاذا؟ قال: {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي
سَيَهۡدِينِ} [الشُّعَرَاءِ: 62]
، فمادامَ اللهُ معه فإن فِرْعَوْن وجُنوده لن يُدرِكوهم وإن وَصَلُوا إليهم
وقَرُبُوا منهم، لأنهم في حِماية اللهِ عز وجل .
فأمرَ اللهُ تبارك وتعالى مُوسى أن يَضرب البَحر بعَصاه، فلمَّا ضربَه تجمَّد وافترقَ، وكانَ كُلّ فِرْقٍ كالجَبَل العَظيم، وبينَهما مَمرَّات الشَّوارع، فمَرَّ مُوسى وقَومه في طريقٍ يَبَس لا يَخاف دَرَكًا ولا يَخشى، فلما تكاملُوا خَارِجين دخلَ فِرعونُ وقَومه في آثارِهم، فلمَّا تكاملَ فرعونُ وقَومه في البَحر أَطبقه اللهُ عليهم، وعادَ كما كان ماءً مائعًا، فغَرقوا جميعًا، ومُوسى وقَومه يَنظرون إليهم لتقرَّ أعينُهم بهَلاك عدوِّهم، ونُصرة اللهِ لهم.