وَأَنَّ قُلُوبَهُمْ لاَ
تَهْتَدِي دُونَ لِقَائِهِ، ضَرَبَ لَهُمْ أَجَلاً وَمَوْعِدًا لِلِقَائِهِ،
وَتَسْكُنُ نُفُوسُهُمْ بِهِ.
وَأَطْيَبُ الْعَيْشِ
وَأَلَذُّهُ عَلَى الإِْطْلاَقِ عَيْشُ الْمُحِبِّينَ الْمُشْتَاقِينَ
الْمُسْتَأْنِسِينَ، فَحَيَاتُهُمْ هِيَ الْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ الْحَقِيقِيَّةُ،
وَلاَ حَيَاةَ لِلْقَلْبِأَطْيَبَ وَلاَ أَنْعَمَ وَلاَ أَهْنَأَ مِنْهَا، وَهِيَ
الْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: { مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن
ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ } [النَّحْلِ: 97] .
لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهَا الْحَيَاةَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْكُفَّارِ، وَالأَْبْرَارِ وَالْفُجَّارِ، وَمِنْ طِيبِ الْمَأْكَلِ
وَالْمَلْبَسِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَنْكَحِ، بَلْ رُبَّمَا زَادَ أَعْدَاءُ
اللَّهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ فِي ذَلِكَ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً.
وَقَدْ ضَمِنَ اللَّهُ
سُبْحَانَهُ لِكُلِّ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا أَنْ يُحْيِيَهُ حَيَاةً طَيِّبَةً،
فَهُوَ صَادِقُ الْوَعْدِ الَّذِي لاَ يُخْلِفُ وَعْدَهُ، وَأَيُّ حَيَاةٍ
أَطْيَبُ مِنْ حَيَاةِ مَنِ اجْتَمَعَتْ هُمُومُهُ كُلُّهَا وَصَارَتْ هَمًّا وَاحِدًا
فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ؟! وَلَمْ يَتَشَعَّبْ قَلْبُهُ، بَلْ أَقْبَلَ عَلَى
اللَّهِ، وَاجْتَمَعَتْ إِرَادَتُهُ وَأَفْكَارُهُ الَّتِي كَانَتْ مُتَقَسِّمَةً
بِكُلِّ وَادٍ مِنْهَا شُعْبَةٌ عَلَى اللَّهِ، فَصَارَ ذِكْرُهُ بِمَحْبُوبِهِ
الأَْعْلَى وَحُبُّهُ، وَالشَّوْقُ إِلَى لِقَائِهِ، وَالأُْنْسُ بِقُرْبِهِ؛ هُوَ
الْمُسْتَوْلِي عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ تَدُورُ هُمُومُهُ وَإِرَادَتُهُ وَقُصُودُهُ
بِكُلِّ خَطَرَاتِ قَلْبِهِ.
فَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ بِاللَّهِ، وَإِنْ نَطَقَ نَطَقَ بِاللَّهِ، وَإِنْ سَمِعَ فَبِهِ يَسْمَعُ، وَإِنْ أَبْصَرَ فَبِهِ يُبْصِرُ، وَبِهِ يَبْطِشُ، وَبِهِ يَمْشِي، وَبِهِ يَسْكُنُ، وَبِهِ يَحْيَا، وَبِهِ يَمُوتُ، وَبِهِ يُبْعَثُ، كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ تبارك وتعالى ، أَنَّهُ قَالَ: «مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، فَبِي يَسْمَعُ، وَبِي يُبْصِرُ، وَبِي يَمْشِي،