وَلَئِنْ
سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا
تَرَدَّدْتُ فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ، كَتَرَدُّدِي عَنْ قَبْضِ نَفْسِ عَبْدِيَ
الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ وَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْهُ»
([1]).
فَتَضَمَّنَ
هَذَا الْحَدِيثُ الشَّرِيفُ الإِْلَهِيُّ - الَّذِي حَرَامٌ عَلَى غَلِيظِ
الطَّبْعِ كَثِيفِ الْقَلْبِ فَهْمُ مَعْنَاهُ وَالْمُرَادُ بِهِ - حَصْرَ أَسْبَابِ
مَحَبَّتِهِ فِي أَمْرَيْنِ: أَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ
بِالنَّوَافِلِ.
وَأَخْبَرَ
سُبْحَانَهُ أَنَّ أَدَاءَ فَرَائِضِهِ أَحَبُّ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَيْهِ
الْمُتَقَرِّبُونَ، ثُمَّ بَعْدَهَا النَّوَافِلُ، وَأَنَّ الْمُحِبَّ لاَ يَزَالُ
يُكْثِرُ مِنَ النَّوَافِلِ حَتَّى يَصِيرَ مَحْبُوبًا لِلَّهِ، فَإِذَا صَارَ
مَحْبُوبًا لِلَّهِ أَوْجَبَتْ مَحَبَّتُهُ لِلَّهِ لَهُ مَحَبَّةً أُخْرَى مِنْهُ
فَوْقَ الْمَحَبَّةِ الأُْولَى، فَشَغَلَتْ هَذِهِ الْمَحَبَّةُ قَلْبَهُ عَنِ
الْفِكْرَةِ وَالاِهْتِمَامِ بِغَيْرِ مَحْبُوبِهِ، وَمَلَكَتْ عَلَيْهِ رُوحَهُ،
وَلَمْ يَبْقَ فِيهِ سِعَةٌ لِغَيْرِ مَحْبُوبِهِ أَلْبَتَّةَ، فَصَارَ ذِكْرُ
مَحْبُوبِهِ وَحُبُّهُ وَمَثَلُهُ الأَْعْلَى مَالِكًا لِزِمَامِ قَلْبِهِ،
مُسْتَوْلِيًا عَلَى رُوحِهِ اسْتِيلاَءَ الْمَحْبُوبِ عَلَى مَحَبَّةِ الصَّادِقِ
فِي مَحَبَّتِهِ، الَّتِي قَدِ اجْتَمَعَتْ قُوَى مَحَبَّةِ حُبِّهِ كُلُّهَا
لَهُ.
وَلاَ
رَيْبَ أَنَّ هَذَا الْمُحِبَّ إِنْ سَمِعَ سَمِعَ بِمَحْبُوبِهِ، وَإِنْ أَبْصَرَ
أَبْصَرَ بِهِ، وَإِنْ بَطَشَ بَطَشَ بِهِ، وَإِنْ مَشَى مَشَى بِهِ، فَهُوَ فِي
قَلْبِهِ وَمَعَهُ وَأَنِيسُهُ وَصَاحِبُهُ، فَالْبَاءُ هَاهُنَا لِلْمُصَاحَبَةِ،
وَهِيَ مُصَاحَبَةٌ لاَ نَظِيرَ لَهَا، وَلاَ تُدْرَكُ بِمُجَرَّدِ الإِْخْبَارِ
عَنْهَا وَالْعِلْمِ بِهَا، فَالْمَسْأَلَةُ حَالِيَّةٌ لاَ عِلْمِيَّةٌ مَحْضَةٌ.
وَإِذَا
كَانَ الْمَخْلُوقُ يَجِدُ هَذَا فِي مَحَبَّةِ الْمَخْلُوقِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ
لَهَا وَلَمْ يُفْطَرْ عَلَيْهَا، كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُحِبِّينَ ([2]) :
خَيَالُكَ
فِي عَيْنِي وَذِكْرُكَ فِي فَمِي |
|
وَمَثْوَاكَ
فِي قَلْبِي فَأَيْنَ تَغِيبُ |
([1])أخرجه: البخاري رقم (6502).