وَقَالَ الآْخَرُ ([1]):
وَمِنْ عَجَبٍ أَنِّي أَحِنُّ
إِلَيْهِمُ |
|
فَأَسْأَلُ عَنْهُمْ مَنْ لَقِيتُ
وَهُمْ مَعِي |
وَتَطْلُبُهُمْ عَيْنِي وَهُمْ فِي
سَوَادِهَا |
|
وَيَشْتَاقُهُمْ قَلْبِي وَهُمْ
بَيْنَ أَضْلُعِي |
وَهَذَا أَلْطَفُ مِنْ
قَوْلِ الآْخَرِ:
إِنْ قُلْتُ غِبْتِ فَقَلْبِي لاَ
يُصَدِّقُنِي |
|
إِذْ أَنْتَ فِيهِ مَكَانَ السِّرِّ
لَمْ تَغِبِ |
أَوْ قُلْتُ مَا غِبْتِ قَالَ
الطَّرْفُ ذَا كَذِبٌ |
|
فَقَدْ تَحَيَّرْتُ بَيْنَ
الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ |
فَلَيْسَ شَيْءٌ أَدْنَى
إِلَى الْمُحِبِّ مِنْ مَحْبُوبِهِ، وَرُبَّمَا تَمَكَّنَتْ مِنْهُ الْمَحَبَّةُ،
حَتَّى يَصِيرَ أَدْنَى إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ، بِحَيْثُ يَنْسَى نَفْسَهُ وَلاَ
يَنْسَاهُ، كَمَا قَالَ ([2]) :
أُرِيدُ لأَِنْسَى ذِكْرَهَا فَكَأَنَّمَا |
|
تُمَثَّلُ لِي لَيْلَى بِكُلِّ
سَبِيلِ |
وَقَالَ آخَرُ ([3]) :
يُرَادُ مِنَ الْقَلْبِ
نِسْيَانُكُمْ |
|
وَتَأْبَى الطِّبَاعُ عَلَى
النَّاقِلِ |
وَخَصَّ فِي الْحَدِيثِ
السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْيَدَ وَالرِّجْلَ بِالذِّكْرِ، فَإِنَّ هَذِهِ
الآْلاَتِ آلاَتُ الإِْدْرَاكِ وَآلاَتُ الْفِعْلِ، وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ
يُورِدَانِ عَلَى الْقَلْبِ الإِْرَادَةَ وَالْكَرَاهَةَ، وَيَجْلِبَانِ إِلَيْهِ
الْحُبَّ وَالْبُغْضَ، فَيَسْتَعْمِلُ الْيَدَ وَالرِّجْلَ، فَإِذَا كَانَ سَمْعُ
الْعَبْدِ بِاللَّهِ، وَبَصَرُهُ بِاللَّهِ، كَانَ مَحْفُوظًا فِي آلاَتِ
إِدْرَاكِهِ، وَكَانَ مَحْفُوظًا فِي حُبِّهِ وَبُغْضِهِ، فَحُفِظَ فِي بَطْشِهِ
وَمَشْيِهِ.
وَتَأَمَّلْ كَيْفَ اكْتَفَى بِذِكْرِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ عَنِ اللِّسَانِ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ إِدْرَاكُ السَّمْعِ الَّذِي يَحْصُلُ بِاخْتِيَارِهِ تَارَةً، وَبِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ تَارَةً، وَكَذَلِكَ الْبَصَرُ قَدْ يَقَعُ بِغَيْرِ الاِخْتِيَارِ فَجْأَةً،
([1])البيتان للقاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني، ينظر: ديوانه (ص: 492).