وَكَذَلِكَ حَرَكَةُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ
الَّتِي لاَ بُدَّ لِلْعَبْدِ مِنْهُمَا، فَكَيْفَ بِحَرَكَةِ اللِّسَانِ الَّتِي
لاَ تَقَعُ إِلاَّ بِقَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ؟! وَقَدْ يَسْتَغْنِي الْعَبْدُ عَنْهَا
إِلاَّ حَيْثُ أُمِرَ بِهَا.
وَأَيْضًا فَانْفِعَالُ اللِّسَانِ
عَنِ الْقَلْبِ أَتَمُّ مِنَ انْفِعَالِ سَائِرِ الْجَوَارِحِ، فَإِنَّهُ
تُرْجُمَانُهُ وَرَسُولُهُ.
وَتَأَمَّلْ كَيْفَ حَقَّقَ
تَعَالَى كَوْنَ الْعَبْدِ بِهِ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَبَطْشُهُ وَمَشْيُهُ
بِقَوْلِهِ: «كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ
بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا»؛
تَحْقِيقًا لِكَوْنِهِ مَعَ عَبْدِهِ، وَكَوْنِ عَبْدِهِ فِي إِدْرَاكَاتِهِ،
بِسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَحَرَكَاتِهِ بِيَدَيْهِ وَرِجْلِهِ.
****
الشرح
الأصلُ أن الإنسانَ إذا
أَحَبَّ شيئًا فإنه لا يُلاَم عَليه، كأنْ يُحِبّ زَوْجَتَه وأولادَه، أو يُحِبّ
المالَ، لأن هَذه جِبِلَّةٌ طَبيعيةٌ جَعَلَها اللهُ تبارك وتعالى في القُلوب
والنُّفوس لمَصْلَحةٍ، لكن لا يَذِلُّ لهذا الشيءِ الذي يُحِبّه ويَنقادُ له،
ويُؤْثِره على مَحَبَّة اللهِ؛ لأن الحُبَّ الذِي مَعه ذُلٌّ هذا نَوْعٌ مِن
العِبادة، أما الحُبُّ الذِي ليسَ معه ذُلٌّ للمَحبوب فهذا ليسَ عِبادةً، فَرْقٌ
بينَ هذا وهذا.
فمن أحبَّ شيئًا ولم يَذِلَّ له فإنه ليسَ عابدًا له، أما من أحبَّه وذلَّ له فهو عابدٌ له، ولهَذا قالَ صلى الله عليه وسلم : «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ» ([1])، فسَمَّاهم عِبادًا لهذه الأشياءِ؛ لأنهم أَحَبُّوها وآثرُوها على مَحَبَّة اللهِ عز وجل .
([1])أخرجه: البخاري رقم (2887).