والمَحَبَّة لها
عَشرةُ أنواعٍ: أعلاَها: الخُلَّة، بأن يكُون المُحِبّ لا يُحِبّ غيرَ مَحبوبِه، وهَذه
دَرَجَة عاليةٌ لم يَنَلْهَا مِن البَشَر إلا اثنانِ: إبراهيمُ عليه السلام كما في
قَوله تَعالى: {وَٱتَّخَذَ
ٱللَّهُ إِبۡرَٰهِيمَ خَلِيلٗا} [النساء: 125] ، فإبراهيمُ يُحِبّ اللهَ محبةً خالصةً،
ولا يُحِبّ معه غيرَه، كذلك نبيُّنا مُحمَّد صلى الله عليه وسلم اتَّخَذَه اللهُ
خليلاً، كما في قَوله صلى الله عليه وسلم : «إِنِّي
أَبْرَأُ إِلَى اللهِ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى
قَدِ اتَّخَذَنِي خَلِيلاً، كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً» ([1]).
فالخُلَّة أعلَى درجاتِ
المَحَبَّة، وبعدَها: العَلاَقة، ثم الصَّبَابة، ثم الغَرام، وهو لُزوم الحُبِّ
للقلبِ فلا يَنْفَكُّ عنه، مِثل قولِه تَعالى: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 65] ،
يعني: أن عذابَ جهنَّم مُلازمٌ للمُعذَّبين لا يَنفكُّ عنهم أبدًا: {لَّا
يَذُوقُونَ فِيهَا بَرۡدٗا وَلَا شَرَابًا} [النبأ: 24] ، {لَا يُفَتَّرُ عَنۡهُمۡ
وَهُمۡ فِيهِ مُبۡلِسُونَ} [الزخرف: 75] ، أي: لا يُخَفَّف عنهم مِن عَذابها.
ثم الشَّوق، كما في الدُّعاء
العَظيم الذِي سَاقَهُ المُصنِّف رحمه الله ، والشَّاهِد منه قَوله صلى الله عليه
وسلم : «وَأَسْأَلُكَ الشَّوْقَ إِلَى
لِقَائِكَ»، فهذا نَوْعٌ مِن المَحَبَّة.
وقوله: «فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ
الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ...» إلى آخرِه، وليسَ مَعناهُ أن اللهَ تبارك وتعالى
يكُون حَالًّا في العَبدِ، أو أن يكونَ اللهُ يَده ورِجْله وسَمْعه وبَصَره، وإنما
مَعْنَاه: أن اللهَ يُوَفِّقه ويُسَدِّده بهذه الأمورِ، ويَنْصُره ويَكُون مَعه.
فليسَ في هذا دَليلٌ للحُلُولِيَّة الذِين يَقُولون: إن اللهَ حَالٌّ في العَبْدِ! قَبَّحَهم اللهُ، يَسْتَدِلُّون بهذا الحَديثِ، وليسَ بدليلٍ، بل مَعناهُ أن اللهَ يُوَفِّقه في هذه الأعضاءِ، فلا يَكْتَسِب بها إلا خيرًا،
([1])أخرجه: البخاري رقم (2887).