×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الثاني

والمَحَبَّة لها عَشرةُ أنواعٍ: أعلاَها: الخُلَّة، بأن يكُون المُحِبّ لا يُحِبّ غيرَ مَحبوبِه، وهَذه دَرَجَة عاليةٌ لم يَنَلْهَا مِن البَشَر إلا اثنانِ: إبراهيمُ عليه السلام كما في قَوله تَعالى: {وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبۡرَٰهِيمَ خَلِيلٗا} [النساء: 125] ، فإبراهيمُ يُحِبّ اللهَ محبةً خالصةً، ولا يُحِبّ معه غيرَه، كذلك نبيُّنا مُحمَّد صلى الله عليه وسلم اتَّخَذَه اللهُ خليلاً، كما في قَوله صلى الله عليه وسلم : «إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللهِ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدِ اتَّخَذَنِي خَلِيلاً، كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً» ([1]).

فالخُلَّة أعلَى درجاتِ المَحَبَّة، وبعدَها: العَلاَقة، ثم الصَّبَابة، ثم الغَرام، وهو لُزوم الحُبِّ للقلبِ فلا يَنْفَكُّ عنه، مِثل قولِه تَعالى: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 65] ، يعني: أن عذابَ جهنَّم مُلازمٌ للمُعذَّبين لا يَنفكُّ عنهم أبدًا: {لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرۡدٗا وَلَا شَرَابًا} [النبأ: 24] ، {لَا يُفَتَّرُ عَنۡهُمۡ وَهُمۡ فِيهِ مُبۡلِسُونَ} [الزخرف: 75] ، أي: لا يُخَفَّف عنهم مِن عَذابها.

ثم الشَّوق، كما في الدُّعاء العَظيم الذِي سَاقَهُ المُصنِّف رحمه الله ، والشَّاهِد منه قَوله صلى الله عليه وسلم : «وَأَسْأَلُكَ الشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ»، فهذا نَوْعٌ مِن المَحَبَّة.

وقوله: «فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ...» إلى آخرِه، وليسَ مَعناهُ أن اللهَ تبارك وتعالى يكُون حَالًّا في العَبدِ، أو أن يكونَ اللهُ يَده ورِجْله وسَمْعه وبَصَره، وإنما مَعْنَاه: أن اللهَ يُوَفِّقه ويُسَدِّده بهذه الأمورِ، ويَنْصُره ويَكُون مَعه.

فليسَ في هذا دَليلٌ للحُلُولِيَّة الذِين يَقُولون: إن اللهَ حَالٌّ في العَبْدِ! قَبَّحَهم اللهُ، يَسْتَدِلُّون بهذا الحَديثِ، وليسَ بدليلٍ، بل مَعناهُ أن اللهَ يُوَفِّقه في هذه الأعضاءِ، فلا يَكْتَسِب بها إلا خيرًا،


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (2887).