وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ
خَلَقَ الْخَلْقَ لِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، الَّتِي هِيَ أَكْمَلُ
أَنْوَاعِ الْمَحَبَّةِ مَعَ أَكْمَلِ أَنْوَاعِ الْخُضُوعِ والذل.
وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ
الإِْسْلاَمِ وَمِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ الَّتِي مَنْ رَغِبَ عَنْهَا فَقَدْ سَفِهَ
نَفْسَهُ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَن يَرۡغَبُ عَن مِّلَّةِ
إِبۡرَٰهِۧمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفۡسَهُۥۚ وَلَقَدِ ٱصۡطَفَيۡنَٰهُ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ
وَإِنَّهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ١٣٠إِذۡ قَالَ لَهُۥ رَبُّهُۥٓ
أَسۡلِمۡۖ قَالَ أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٣١وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبۡرَٰهِۧمُ
بَنِيهِ وَيَعۡقُوبُ يَٰبَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلَا
تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ ١٣٢أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَآءَ إِذۡ حَضَرَ يَعۡقُوبَ
ٱلۡمَوۡتُ إِذۡ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعۡبُدُونَ مِنۢ بَعۡدِيۖ قَالُواْ نَعۡبُدُ إِلَٰهَكَ
وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ إِبۡرَٰهِۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗا
وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ ١٣٣} [الْبَقَرَةِ: 130- 133] .
وَلِهَذَا كَانَ أَعْظَمَ
الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ الشِّرْكُ، والله لا يغفر أن يشرك به.
وَأَصْلُ الشِّرْكِ بِاللَّهِ:
الإِْشْرَاكِ فِي الْمَحَبَّةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن
يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادٗا يُحِبُّونَهُمۡ كَحُبِّ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ
ءَامَنُوٓاْ أَشَدُّ حُبّٗا لِّلَّهِۗ} [الْبَقَرَةِ: 165] ، فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ مِنَ
النَّاسِ مَنْ يُشْرِكُ بِهِ نِدًّا يُحِبُّهُ كَمَا يُحِبُّ اللَّهَ، وَأَخْبَرَ
أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ مِنْ أَصْحَابِ الأَْنْدَادِ
لأَِنْدَادِهِمْ.
وَقِيلَ: بَلِ الْمَعْنَى
أَنَّهُمْ أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ، فَإِنَّهُمْ وَإِنْ أَحَبُّوا اللَّهَ، لَكِنْ
لَمَّا شَرِكُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْدَادِهِمْ فِي الْمَحَبَّةِ ضَعُفَتْ
مَحَبَّتُهُمْ لِلَّهِ، وَالْمُوَحِّدُونَ لِلَّهِ لَمَّا خَلُصَتْ مَحَبَّتُهُمْ
لَهُ كَانَتْ أَشَدَّ مِنْ مَحَبَّةِ أُولَئِكَ، وَالْعَدْلُ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ،
وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَْنْدَادِ هُوَ فِي هَذِهِ الْمَحَبَّةِ،
كَمَا تَقَدَّمَ.
****
الشرح
اللهُ جل وعلا خلقَ الخَلْق لعِبادته، كما قالَ تَعالى: {وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ} [الذاريات: 56] ، ما خلقَهم مِن أَجْلِ حَاجته إليهم،