×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الثاني

 أو لأجلِ أن يَكتسبوا له، أو أن يُغْنُوه سبحانه وتعالى ، فهو الغَنِيُّ، وهو الرزَّاق، وإنما خلقَهم لعِبادته، ومَصلحة العِبادة رَاجعةٌ إليهم، فإذا عَبدوه أكرمَهم.

وقوله: {وَمَن يَرۡغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ}، مِلَّة إبراهيمَ هي: الإسلامُ، وهي: التوحيدُ وإخلاصُ العِبادة للهِ. والرغبةُ عن الشيءِ: تَركُه، أما الرغبةُ في الشيءِ فهي: إرادتُه ومَحبته، تَقول: رغبتُ في كَذا إذا أردتَه، وتَقول: رغبتُ عن كَذا إذا تركتَه.

فلا يَترُك مِلَّة إبراهيمَ {إِلَّا مَن سَفِهَ نَفۡسَهُۥۚ}، والسَّفَه: هو الدَّنَاءة والذِّلَّة والخِسَّة، فالذِي يَرغبُ عن مِلَّة إبراهيمَ هذا خَسيسُ النفسِ، مُهان النفسِ، نَفسُه خبيثةٌ.

وقوله: { وَلَقَدِ ٱصۡطَفَيۡنَٰهُ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ} أخبرَ أنه اصطفَى - أي: اختارَ - إبراهيمَ عليه السلام في الدنيَا على غَيره بالنبوَّة والرسالةِ والدَّعوة والعُبودية، {وَإِنَّهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ} وسببُ هذه المَقامات: {إِذۡ قَالَ لَهُۥ رَبُّهُۥٓ أَسۡلِمۡۖ قَالَ أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ}.

ولم يَقتصر على نفسِه عليه الصلاةُ والسلامُ، بل وَصَّى ذُرِّيته بالإسلامِ؛ لأنه عِزُّهم وشَرَفُهم وسعادتُهم، وهو يُريد لهم الخَير، وكذلكَ يَعقوبُ عليه السلام - الذِي هو إسرائيلُ - وصَّى ذُرِّيته بالإسلامِ، وهذا من نُصح الوالدِ لأولادِه أنه يُوصِيهم بالدينِ، ويُربيهم عَليه. فوَصَّاهم بعِبادة اللهِ وحدَه لا شريكَ له: {مَا تَعۡبُدُونَ مِنۢ بَعۡدِيۖ قَالُواْ نَعۡبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ}، لكِن منهم مَن لم يَفِ بهذا وهُم كثيرٌ. فاللهُ جل وعلا يُذكِّرهم بهذا العَهْد وهذه الوَصِية من أجلِ أن يَرجعُوا إليها.


الشرح