ولذلكَ لمَّا ذهبَ
المُشرِكون يَشكُون النبيَّ صلى الله عليه وسلم إلى عَمِّه أبي طالبٍ، قالَ له
عَمُّه: يا ابنَ أَخِي، ما تُرِيد مِن قَومك؟ قالَ: «إِنِّي أُرِيدُ مِنْهُمْ كَلِمَةً وَاحِدَةً تَدِينُ لَهُمْ بِهَا
العَرَبُ، وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمُ العَجَمُ الجِزْيَةَ». قال: كَلمة وَاحِدة؟
قال: «كَلِمَةً وَاحِدَةً»، قال: «يَا عَمُّ، يَقُولُونَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ
اللهُ»، فقَالوا: إلهًا واحدًا؟! ما سَمعنا بهذا في المِلَّة الآخِرة إن هَذا
إلا اخْتِلاَق ([1]).
فالمُشركون فَهِمُوا مَعناها
وأَبَوْا أن يَقولوها؛ لأنهم يَعلمون أنها كلمةٌ تَحتاج إلى التزامٍ، وفَهموا أن
مَن يَقولها يَجعل الآلهةَ إلهًا واحدًا، ولا يعبدُ غيرَه سبحانه وتعالى ، وهُم لا
يُريدون ذلك، بل يُريدون أن يَعبدوا اللاَّتَ والعُزَّى ومَنَاة والأصنامَ.
فأَبَوْا أن يقولُوا: «لا إلهَ إلا اللهُ»؛ لأنها تَقتضي مِنهم
أن يَتْرُكوا عِبادة الأصنامِ، وقَالوا: {أَجَعَلَ ٱلۡأٓلِهَةَ
إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ} [ص: 5] ، {مَا
سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِي ٱلۡمِلَّةِ ٱلۡأٓخِرَةِ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا ٱخۡتِلَٰقٌ} [ص: 7] ، {أَئِنَّا
لَتَارِكُوٓاْ ءَالِهَتِنَا لِشَاعِرٖ مَّجۡنُونِۢ} [الصافات: 36] ، يَعنُون الرَّسول صلى الله عليه وسلم
ويَصِفونه بأنه شاعرٌ ومَجنون.
فلو كانَ المُراد أن يَقولوا: «لا إلهَ إلا اللهُ» بأَلْسِنَتهم فَقط، وأن يَبقوا على عِبادة الأصنامِ، لفَعَلُوا ذلك، لكنهم عَرَب فُصَحَاء، يَعرفون المَعنى، ويَعرفون أن هَذه الكَلمة ليستْ بعَبَث ولا لَعِب، وإنما هي كَلِمة لها مَعنى، وأن مَن قالَها يَجِب عليه ألاَّ يعبُد إلا اللهَ، وأن يترُك عبادةَ ما سِواه، فأبوا أن يَقولوها وأصرُّوا، حتى قاتلَهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بأمرِ اللهِ عز وجل ؛ حَتى يكُون الدِّين كُله للهِ: {وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِۚ} [الأنفال: 39] .
([1])أخرجه: الترمذي رقم (3232)، وأحمد رقم (2008)، وابن حبان رقم (6686).